تعكس التهديديات التي أطلقها الأمين العام لحزب الله “حسن نصر الله” في السادس عشر من فبراير، في حشد بذكرى عماد مغنية، قائد الجناح العسكري لحزب الله، بشأن إمكانية ضرب إسرائيل بالصواريخ واستهداف خزان الأمونيا في حيفا وإلحاق ضرر ودمار “يماثل قنبلة نووية ويؤدي لموت آلاف الإسرائيليين”، تعكس خطر بقاء الرئيس السوري “بشار الأسد”، الحليف المخلص لحزب الله، على كرسي الحكم.
السياسة الرسمية الإسرائيلية بخصوص سوريا هي أن تبقي على الحياد ولا تتدخل في الحرب الأهلية فيها. مع ذلك، لديها “خطوط حمراء” أحدها هو عدم السماح للجيش السوري بنقل سلاح “يخل بالتوازن ” إلى حزب الله. بحسب مصادر أجنبية، استهدفت طائرات سلاح الجو الإسرائيلي في السنوات الماضية، عدة مرات، قوافل نقل سلاح نوعي من مخازن الجيش السوري إلى حزب الله في لبنان.
إزاء لا مبالاة الإدارة الأمريكية بقيادة أوباما تجاه ما يحدث في سوريا وعلى خلفية التدخل الروسي، غير المسبوق، في سوريا، فإن إسرائيل قد بادرت بالتحاور مع روسيا ووصلت معها إلى تفاهمات فيما يتعلق بالأنشطة الجوية في سماء سوريا لتلافي حدوث تضارب في مصالح الدولتين، وهو ما من شأنه أن يزيد التوترات في المنطقة.
لكن لا يمكن تجاهل التطورات العسكرية الأخيرة في سوريا، التي تشير إلى نجاح النظام السوري في إعادة مناطق كبيرة في حلب وجنوب هضبة الجولان إلى سيطرته مرة أخرى، وتصريح الرئيس بشار الأسد بعزمه إعادة سيطرته على كافة المناطق السورية. إمكانية استعادة بشار الأسد لسيطرته على سوريا هي الأسوأ لإسرائيل. ومعناها سيطرة “محور الشر”، الذي يضم أيضاً إيران وحزب الله، على هضبة الجولان من جديد، وإمكانية تحولها إلى جبهة إرهاب نشطة ضد إسرائيل.
ستتيح هذه الإمكانية لحزب الله عدم تعريض نفسه لخطر فتح جبهة ضد إسرائيل من لبنان في غضون تلقيه دعم من سوريا وإيران. يجدر التذكير بأن إيران وحزب الله قد أقاما بالفعل بنية تحتية مبدئية مكونة من مئات الشباب السوريين، بعضهم من أصل درزي يسكنون هضبة الجولان السورية، لتنفيذ هجمات ضد إسرائيل في هضبة الجولان. يقول اللبنانيون أن إسرائيل اغتالت خلال السنة الماضية، “جهاد مغنية” و”سمير القنطار” اللذان كانا يعملان على إنشاء وتنظيم تلك البنية التحتية، ونجحت في إعاقة عملها حتى الآن.
تتغير التطورات في سوريا بشكل يومي، لكن من الواضح أنه على الرغم من النجاحات الأخيرة للجيش السوري، فإنه سيكون صعباً على الرئيس “بشار الأسد” أن يوحّد سوريا من جديد. سيواجه الرئيس السوري صعوبات عديدة في إعادة العجلة إلى الخلف؛ أي أن يعيد سيطرة الطائفة العلوية، التي تمثل 10% فقط من السكان، على الأغلبية السنية التي ذبح منها نحو 300 ألف مواطن وحوّل نحو 12 مليون منهم إلى لاجئين.
الحرب في سوريا مستمرة على الرغم من التفاهمات الروسية-الأمريكية بشأن وقف إطلاق النار. المحور السني بقيادة تركيا والسعودية غير مستعد لقبول بقاء الرئيس “بشار الأسد” في الحكم. تعثرت عملية “مؤتمر جنيف3” وعلى ما يبدو أن القتال سيستمر لفترة طويلة.
التقدير الإسرائيلي الذي أعلنه وزير الدفاع، موشيه يعالون، قبل عدة أيام، في مؤتمر ميونخ للأمن، هو أن سوريا ستقسم فعلياً إلى عدة أجزاء وتنشأ فيها “جيوب” محددة تسيطر عليها تيارات أو طوائف مختلفة. الحل المفضل لإسرائيل، بحسب وزير الدفاع، هو وجود مناطق هادئة لفترة محددة زمنياً وليس معاهدة سلام شاملة في سوريا.
الوضع في هضبة الجولان
منذ بداية الحرب الأهلية في سوريا، تنتهج إسرائيل سياسة دعم منظمات المعارضة السورية “المعتدلة” في هضبة الجولان، ومدتها بالسلاح والمعدات والرعاية الطبية بما فيها الإقامة في المستشفيات الإسرائيلية.
نجح الجيش السوري في الأسابيع الأخيرة في السيطرة على مدينة الشيخ مسكين وبلدة عتمان القريبة من درعا جنوب سوريا. تتابع إسرائيل محاولات الجيش السوري إعادة سيطرته على درعا بقلق. وتدرك إسرائيل أنه إذا سيطر جيش الأسد مرة أخرى على هضبة الجولان، فإنه من شأنه أن يدفع حزب الله وإيران على الحدود مع إسرائيل ويتيح لهما فتح جبهة جديدة من تلك المنطقة ضد إسرائيل.
تزعم عناصر سورية أن إسرائيل تحاول حالياً تنظيم فصائل المقاومة السورية في هضبة الجولان لهجوم مضاد للجيش السوري، لمحاولة منع سيطرته على منطقة درعا. بحسب المصادر ذاتها، لا تشمل التفاهمات الإسرائيلية-الروسية بشأن التحليق في المجال الجوي السوري منع الطيران الروسي من مهاجمة حصون الثوار في هضبة الجولان.
ماهو الأفضل لإسرائيل؟
ينبغي أن تكون المصلحة الإسرائيلية على هذا النحو، ألا يستطيع الأسد العودة واستعادة قوته والسيطرة على كافة المناطق السورية. من الأفضل لإسرائيل أن يستمر في السيطرة فقط على جزء صغير من سوريا، الجزء الذي يسيطر عليه منذ فترة والذي يسمي “دولة الساحل”.
المصلحة الإسرائيلية الحقيقة هي أن تظل سوريا دولة ضعيفة وغير مستقرة، وهذا يجعلها تستطيع أن تُبعد حزب الله وإيران عن حدودها في هضبة الجولان.
يتعين على إسرائيل أن تبذل قصارى جهدها حتى تستمر الأطراف المقاتلة في سوريا في الحرب لعدة سنوات، وتضعف ذاتها وتدمر قدراتها العسكرية.
يجب على إسرائيل، في حالة حدوث تسوية سياسية في سوريا، أن تدعم تقسيم سوريا إلى أقاليم أو مناطق نفوذ وإقامة دويلة أو استقلال كردي في سوريا. سوريا مقسمة ومتصدعة أفضل لإسرائيل من سوريا موحدة وقوية تحت حكم الأسد.
في غضون ذلك، حتى يتضح الوضع، يجب على إسرائيل أن تفعل ما بوسعها للتقرب إلى روسيا، المسيطرة حالياً على سوريا والتي يمكنها أن تكبح جماح حزب الله وإيران. تلك هي السياسة التي ينبغي أن ينتهجها رئيس الوزراء “بنيامين نتنياهو”. فقد التقى “بنيامين نتنياهو” في السابق مع الرئيس “بوتين” ووصل معه إلى تفاهمات بشأن التحليق الجوي في المجال الجوي السوري والحفاظ على حرية تصرف إسرائيل و”الخطوط الحمراء” التي وضعتها.
لكن الرئيس “بوتين”، بحسب مصادر سورية، لم يعجبه، إذا جاز التعبير، اغتيال “سمير القنطار” في دمشق في عملية جوية إسرائيلية، على الرغم أن الطائرات الإسرائيلية أطلقت الصواريخ التي اغتالت “القنطار”، وقت مكوثه في دمشق، من داخل إسرائيل (مسافة نحو 90 كم) حيث طارت فوق بحيرة طبريه.
المطلوب الآن هو أن يلتقي “نتنياهو” مرة أخرى بالرئيس “بوتين” على خلفية التطورات الجديدة في ساحة الحرب في سوريا وقوة “بشار الأسد”.
يتعين على إسرائيل أن تسعي للوصول إِلى تفاهمات مع روسيا تُخرج هضبة الجولان من معادلة الحرب والإرهاب ضد إسرائيل، للحفاظ على الهدوء فيها ومحاولة إقناع روسيا ألا تتيح تواجد عسكري لحزب الله وإيران على الجدار الحدودي معها في هضبة الجولان. هذا هو “الخط الأحمر” الجديد الذي يجب أن تضعه إسرائيل.
يوني بن مناحيم– نيوز وانِ