-12-2014

بقلم اساف جولان

 

فى عمري الصغير قررت الخروج من الصندوق، من الصعب جداً للإنسان الخروج من الصندوق. فهناك صعوبة شخصية، وعائلية واجتماعية. إنه لأمر صعب عندما تكون جزءاً من مجتمع قبلى ودينى يصعب عليه جداً قبول المختلف. ولكن أحياناً تكسر كل الحواجز، ويدفعك الواقع إلى الخروج من المخبأ. كل أنظمة الإختباء تسقط أمام الوضع الذى يكون فيه لزاماً عليك فيه اتخاذ موقف غير متعارف عليه، يؤثر على حياتك من الآن فصاعداً. المقصود هنا بشكل عام هى لحظة الحرية الشخصية، التى تغير الواقع كله من حولك وتلزمك بإلقاء نظرة على كل من يشبهونك. أبناء مجتمعك المحبوبين لديك، وأن تعلن عن اختلافك.

هذا هو السبب الذى سيجعلنى بالرغم من الصعوبة البالغة فى الأمر ألا أذهب للتصويت، مثلما سيفعل، حسب معطيات الماضى، أكثر من 30% من مواطنى الدولة. نعم أنا من تربى على إدراك أهمية التصويت للدولة اليهودية التى قامت بعد 2000 عام من الشتات، تربيت على الحق النادر الموجود فى التصويت لمجلس نواب يهودى حر، أفكر فى عدم الوصول إلى صندوق الإنتخاب.

استطعت الوصول ووضع بطاقة تصويت بيضاء لكى أعترض على الوضع، على الوحل الذى وصلت إليه السياسة الإسرائيلية. النصيحة حول مثل هذا الإعتراض موصوفة جيداً بواسطة جوزيه سراماجو الحاصل على جائزة نوبل فى الأدب فى كتابه “حول النظرة الثاقبة”. وأيضاً فى الواقع الإسرائيلى هناك عدد ليس بالقليل من الناس الذين يضعون بطاقة تصويت بيضاء، يتم إحتسابها فى النهاية على أنها بطاقة تصويت باطلة بواسطة لجنة الإنتخابات المركزية.

الثقة فُقدت

إلا أننى لست معترضاً، وليس لدى هدف من التصويت لصالح حزب عابر مثل ” عاليه ياروك” أو”حقوق الرجل فى الأسرة”. لقد يئست وليس لدى طاقة للإعتراض على فقدان طريق الديمقراطية الإسرائيلية التى فقدت نفسها. لقد يئست، على الأقل الآن من القدرة على التأثير فى الدولة التى اعيش فيها. لقد فقدت الثقة فى الإسلوب السياسى الإسرائيلى، وفى أن هناك معنى أو قيمة لصوتى، وأن الأحداث فى الدولة مرتبطة بصورة منحرفة عن رغبتى الشخصية والموقف الإيديولوجى الذى أتخذه.

كان أبى دائما يقول أن الشعب اليهودى حصل على دولة لكنه لايعلم ماذا يفعل بها. ومن الواضح أنه قد صدق، فبدلاً من المضى قدماً بالدولة والشعب الإسرائيلى إلى أفق جديد، ينشغل السياسيون بصراعات الأنا على المقعد فى الكنيست، وعلى مقعد حول مائدة الحكومة. هناك موضوعات مهمة مثل الإهتمام بالفقراء والمحتاجين وبصحة الجمهور، والبيئة التى تلوثت هذا الأسبوع، تمت تنحيتها جانباً لاعتبارات باردة مثل الحصول على السلطة دون ثمن.

والتجارة التى يتم عملها الآن، والتى يبحث فيها أعضاء الكنيست لأنفسهم عن أحزاب جديدة ويحملون معهم المهر وهو عبارة عن أموال تمويل الأحزاب، تدل على نفس الظاهرة. يا للحسرة أن وصلنا إلى الأيام التى نقول فيها مرة أخرى ” رؤساؤك متمردون ولغفاء اللصوص. كل واحد منهم يحب الرشوة ويتبع العطايا لايقضون لليتيم ودعوى الأرملة لاتصل إليهم” ( اشعيا 23:1) ، يا للحسرة أن وصلنا إلى الأيام التى يكون فيها رئيس الحزب الذى على وشك النجاح فى الإنتخابات هو المحامى الذى صمت فى تحقيق للشرطة الذى كان فيه رئيس حزب آخر مجرماً وقامت ضد رئيس حزب آخر عدد كبير من التحقيقات فاحت منها رائحة الأعمال المشبوهة.

لا، إننى لا أقصد فقط طرف واحد من الخريطة السياسية ولكن كل الأطراف. إننى أشير بإصبعى إلى كل من يحبون السيجار، والفنادق الفاخرة، والسيارات الحكومية التى تحتوى على مبردات شخصية، ورحلات طيران للخارج على الدرجة الأولى إلخ. هذا الوحل أستثمر بكل دهاء ومكر شخصى دون أى خجل أو تفكير قومى، بغض النظر عن المسئولية القومية، وهو الذى أدى بمجموعة من الناس إلى الذهاب إلى الإنتخابات وتفريق الكنيست فى أوج ازدهاره، حيث تضررت مصلحة الجمهور بصورة كبيرة بسبب ذلك.

هكذا يحدث عندما يتم إنفاق المليارات التي تذهب لميزانية وزراة الدفاع، والمستشفيات، ووزارة الرفاه، ومشروعات أخرى هامة، على الدعاية، فى الوقت الذى يخطو فيه الإقتصاد المحلى الإسرائيلى نحو التضخم، كما تؤكد البيانات الصادرة عن المكتب المركزى للإحصاء فى الربعين الأخيرين من العام.

هذا الضرر، والقدرة على الشجار حول بند فى ميزانية الدولة ويلي ذلك الذهاب لحرق الأموال الإنتخابات، يرتبط بغياب الإدارة السائد فى هذه الدولة. فى الحقيقة فإنه وفقاً للدراسات نجد أن القرارات الحكومية بشكل عام لايتم تنفيذها، وهناك سخرية من السياسيين الإسرائيليين، وغياب مطلق لمعنى العمل الجماهيرى فى إسرائيل.

نعم، الحقيقة فى إسرائيل كما وصفها آباؤنا، أصبحت غائبة. ليس هناك حقيقة أو أيديولوجية فى سياستنا، هناك فقط لعبة عقيمة لمجموعة من العدوانيين تقودنا من أزمة إلى أزمة. وهذا هو السبب فى أننى لا أنوى التصويت. ليست لدى طاقة للمشاركة فى مسرح الحمقى هذا.