يناير 2015

 

 

أصل العلاقة :

تواجد في إثيوبيا قرابة الـ 90000 ألف يهودي يطلق عليهم يهود الفلاشا ، ويدعي يهود الفلاشا انحدار نسبهم إلى الملكة بلقيس الفلاشا وهم لا ينتمون إلى أي من الكتل اليهودية الرئيسية وهي الإشكناز والسفارديم يعيشون في مناطق معينة بالقرب من بحيرة تانا شمال غرب إثيوبيا في قرى فقيرة ويعمل رجالهم في مجال الزراعة ورعي الأغنام .

بدأت الهجرة الفعلية ليهود الفلاشا إلي إسرائيل في حملتين هما حملتي موسى (1984) وسليمان (1991) حيث تم نقل ما يزيد عن 40 ألف شخص إلي إسرائيل في كل حملة إلا أن هذه الشريحة من السكان لم تندمج بعد في المجتمع اليهودي ولم يتقبلها الإشكناز أو السفارديم  .

 

إسرائيل من وراء الستار:

يبدو أن الحرب العسكرية وبعد أن أيقنت إسرائيل أنها أعظم كلفة بالنسبة لها مع مصر لابد من تحاشيها، وبدأت إسرائيل في ممارسة فن جديد وهو الحرب الاقتصادية والسياسية وخلق التحالفات ، ويؤكد هذا ما تم نشره من مذكرات تسيفي مزئيل السفير الإسرائيلي السابق في القاهرة في ” 2010 ” ، وارتكزت بنودها على أهمية تدويل إسرائيل الصراع بين دول منابع النيل السبعة ” بوروندي – رواندا – زائير – تنزانيا – أوغندا – كينيا – إثيوبيا” ودولتي المصب “مصر والسودان” وذلك من خلال إقناع دول المنبع أن مصر تأخذ نصيب الأسد من مياه النيل وأن الحصص المقسمة بينهم غير عادلة وعليهم تقسيمها من جديد .

لم يكن خافياً الاهتمام الإسرائيلي بدول حوض النيل وبالأخص إثيوبيا بعد عام 1996 والقطيعة المصرية لأفريقيا بعد محاولة اغتيال الرئيس المصري حسني مبارك في أديس أبابا ، وبدأت إسرائيل في الإعداد الجيد لأزمة المياه الطاحنة التي هي بصددها ووضعت جميع البدائل وتحركت على جميع المحاور (مطار بحرية طبرية- تحلية مياه البحر – رفع تعريفة الاستهلاك- نهر الأردن- السيطرة على دول حوض النيل ) .


كيف وصلت إسرائيل إلي جعل إثيوبيا في مواجهة مع مصر :

لم تأتي في الخطوات الأولى للحكومات الإسرائيلية المتعاقبة أي ذكر للمياه مع تلك الدول بل أمنها واستقرارها كان هو المحرك الظاهر، وبدأ المخطط تدريجياً لإشعارهم بأهمية المياه بل ودفعهم لاستهلاك أضعاف أضعاف ما يحتاجونه عن طريق استصلاح مساحات شاسعة من الأراضي لديهم وزراعتها ، وتقوم إسرائيل بتأجير تلك الأراضي وهي مزروعة لتجني المحصول في النهاية وتقوم بإرساله إلي إسرائيل أو بتصديره مباشرةً إلي الخارج باسمها ، وبذلك فهي قد حققت العديد من المصالح مجتمعة :

  1. غزت الأسواق الدولية بالمزروعات الإسرائيلية.
  2. قامت بتوفير كل احتياجاتها زراعياً .
  3. لم تهدر قطرة مياه واحدة في الداخل الإسرائيلي بل تم استغلالها أفضل استغلال .
  4. استفادت إسرائيل من رخص العمالة الإثيوبية مقارنة بعشرات الأضعاف في التكلفة في الداخل الإسرائيلي ( أجر العامل الإثيوبي يتراوح بين 40 :60 دولار شهرياً بينما يبلغ أجر العامل الإسرائيلي 20: 25 دولار يوميا ً)
  5. دفعت الحكومة الإثيوبية لخوض حرب المياه نيابةً عنهم مع مصر بزعم أن مصر تأخذ نصيب الأسد من مياه النيل بينما تحتاج إثيوبيا هذه المياه .
  6. تأمين متطلبات الاستراتيجية البحرية في البحر الأحمر والمحيط الهندي وضمان الاتصال بالجاليات اليهودية .
  7. حصلت إسرائيل على العديد من التسهيلات العسكرية في دول القارة الإفريقية كاستخدام القواعد الجوية والبحرية وقواعد التجسس وإنشاء محطات الإنذار والاستطلاع لخدمة أنشطتها الاستخبارية ومشاركة إسرائيل في بناء وتنظيم الأجهزة الأمنية لبعض الدول في إفريقيا وعقد صفقات تسويق إنتاجها العسكري .
  8. الهدف النهائي تقويض أمن مصر نهائياً وجعلها في جفاف مما يشغلها عن أي أهداف أخرى قد تهدد إسرائيل أو مصالحها في المنطقة

 

 

 

لن يخفى عن المتابعين ما يجري من اتفاقيات اقتصادية في ظاهرها أمنية في باطنها بين إسرائيل وإثيوبيا وهذا واضح وجلي في عدة حقائق :

  • إسرائيل أبرمت عدة اتفاقيات عسكرية وأمنية مع إثيوبيا على رأسها اتفاقية عام 1998 والتي منحت إسرائيل تسهيلات عسكرية واستخباراتية في الأراضي الإثيوبية ثم تم التأكيد على هذه الاتفاقية في اتفاق استراتيجي آخر في أواخر عام 1999 .
  • أشارت تقارير رسيمة صادرة عن المعهد الإسرائيلي للصادرات أن حجم الصادرات الإسرائيلية لإثيوبيا بلغت في عام 2008 أكثر من18 مليون دولار وبلغت حجم الواردات لنفس العام 46 مليون دولار .
  • إسرائيل تصدر لإثيوبيا المواد الكيماوية والآلات الصناعية والبرمجيات وتستورد منها المنتجات الزراعية والتبغ .
  • هناك 121 شركةً إسرائيليةً تعمل في مجال التصدير داخل إثيوبيا، وأن الواردات الإسرائيلية لإثيوبيا تضاعفت أكثر من ثلاثين مرة خلال عقد التسعينات من 1.9 إلى 80.5 مليون دولار سنويًا في الوقت الحالي.
  • وفى عام 2008 تم توقيع اتفاق بين إثيوبيا وإسرائيل وألمانيا لتمكين إثيوبيا من تطوير أنشطة الري على نطاق محدود في مناطق مختلفة منها، إضافة إلى ذلك قامت إسرائيل بالتعاون مع إثيوبيا في تأسيس مركز بوتا جيرا على تطوير الشتلات بمساعدة الماشاف-الوكالة الإسرائيلية للتعاون والتنمية الدولية-.
  • وعلى الجانب التعليمي والإنساني أنشأت إسرائيل جامعة هيلاسيلاسى في إثيوبيا .

 

التعاون العسكري بين إسرائيل وأثيوبيا محطات فاصلة :

 

  • في 1966 أصبح لإسرائيل وفد عسكري يتواجد بشكل دائم في إثيوبيا يتكون من 100 ضابط وقائد عسكري إسرائيلي وكان هذا الوفد هو الأكبر عدداً في إثيوبيا بعد الوفد العسكري الأمريكي .
  • قامت إسرائيل بتدريب وتأهيل القوات الخاصة للجيش الإثيوبي خاصةً في صراعها مع قوات الحركة الوطنية الإريترية وكان لإسرائيل منفذ خاص بميناء مصوع الإريتري على البحر الأحمر، وكانت السفن الإسرائيلية تتوجه للصيد في البحر الأحمر أمام سواحل إثيوبيا بسبب الأزمات والمواجهات التي كانت تتعرض لها بسبب انتشار القوات البحرية المصرية فى البحر المتوسط .
  • كان هيلاسيلاسي آخر أباطرة إثيوبيا حليفًا قويًا لإسرائيل التي ردت الجميل بإجهاض 3 محاولات للانقلاب عليه بمساعدته لوجستيا ومخابراتياً.
  • بعد تزايد حدة القتال مع الحركة الوطنية الإريترية عادت إثيوبيا مجددًا لطلب الدعم من إسرائيل فتم إبرام صفقة سرية بين إثيوبيا وتل أبيب عام 1977 يتم بمقتضاها أن تسمح إثيوبيا بتهجير اليهود لديها إلى إسرائيل مقابل صفقة سلاح إسرائيلية ضخمة.
  • شهدت العلاقات توتراً واحداً بسبب موشيه ديان عندما كشف عن طبيعة العلاقات في الإعلام عام 1978 مما تسبب في قطع العلاقات العلنية بينما قامت تل أبيب سراً بتزويد إثيوبيا بصفقة سلاح قيمتها 20 مليون دولار عام 1983، تبين أنها كانت عبارة عن الأسلحة التي صادرتها إسرائيل من منظمة التحرير الفلسطينية .
  • زاد التعاون في وقت لاحق بشكل سري تمثل في تدريب القوات الخاصة الإثيوبية والتخطيط الاستراتيجي لحماية المواقع الهامة في إثيوبيا التخطيط الذي يحمل طابع الموساد الإسرائيلي .
  • بحلول عام 2008 بدأت إسرائيل تحركاً عسكرياً ملحوظاً في العمق الإفريقي حيث قامت بنشر ثلاث بطاريات صواريخ في إثيوبيا إضافة إلي بطارية قادرة على إطلاق صواريخ تحمل رؤوساً نووية (طراز أريحا) “يذكر أن “أريحا” صاروخ باليستي قوة دفعة 1200 رطل ويصل سعره إلى 150 ألف دولار، وقد صممته الولايات المتحدة للاستخدام في أوروبا بواسطة قوات حلف “الناتو” باعتباره صاروخاً ميدانياً ذي قوة مزدوجة ، إذ يمكن أن يحمل رأسًا تقليدياً أو نوويًا وهو محمل على قاذف متحرك ويبلغ مداه 45 ميلاً ، ويوجد ثلاثة أنواع منه فهناك أريحا 60 الذي كان صاروخ أرض أرض تستخدمه القوات الإسرائيلية ويتراوح مداه ما بين 450 : 650 كم والصاروخ أريحا 2 ويتراوح مداه بين 1250 : 1450كم وأريحا 3 الذي تم تطويره نهاية عام 2007م وتم تحويله إلى صاروخ أرض أرض ويصل مداه إلى 750 كم  .
  • استطاعت إسرائيل بذلك اختراق القيادات العسكرية الإثيوبية وخلق جيلاً كاملاً من الكوادر العسكرية التي تدين بالولاء لإسرائيل وتعمل في نفس الوقت على تحجيم النشاط العربي على هذا الاتجاه مع توفير مناخ يساهم في تشتيت الجهود العربية في مواجهة التحديات في الشرق الأوسط مثل إثارة قضايا أمنية ومشكلة المياه والجزر بجنوب البحر الأحمر .

 

 

الخلاصة

قامت إسرائيل بإقناع القيادة الإثيوبية بموضوع إقامة مجموعة من السدود  آخرها سد النهضة (إجمالي السدود الفعلية العاملة في إثيوبيا على مجرى النهر هم 13 سد لم تعترض مصر على بناء أي منها وسد النهضة هو السد الـ 14 يحجز أمامه 17 مليار متر مكعب من المياه وتعمل مكاتب الخبرة والدعم الفني في إسرائيل على إيجاد حلول لزيادتها إلي 74 مليار متر مكعب) ومشروعات للري على هضاب الحبشة عشرات الكيلومترات من الأراضي الزراعية  بحجة تحقيق أكبر استفادة ممكنة من مياه النيل الفيضانية والطاقة الكهربائية لصالح إثيوبيا  الشيء الذي يأتي  بمثابة تهديد لرصيد مصر بمياه النيل،  وبالتالي تهديد لكل مشروعات الري والكهرباء والزراعة على امتداد الوادي ودلتا مصر .

أقنعت إسرائيل القيادة الإثيوبية بقدرتها على حماية السدود الإثيوبية إذا تم تهديدها بأي نوع من الهجمات العسكرية، لم يقتصر الأمر على ذلك بل امتد إلي جنوب السودان وأبلغ دليل على عمق العلاقة الزيارة الأخيرة لرئيس جنوب السودان إلي إسرائيل والاستثمارات الإسرائيلية هناك
( يوجد العديد من المراكز الطبية الإسرائيلية الخيرية التي تعمل في جنوب السودان ) وكذلك التوسع الإسرائيلي إلي الشرق الإفريقي لتحقيق الأهداف الأمنية بالسيطرة على البحر الأحمر لأهميته الاستراتيجية بوصفه ممراً مائياً عالمياً مهماً يربط بين البحر الأبيض المتوسط والمحيط الهندي ، وما تقدم يثبت أن العلاقة الإسرائيلية مع إثيوبيا تخدم أهداف التوسع الإسرائيلي في القارة الإفريقية على حساب العرب بشكل عام ومصر بشكل خاص .