معاريف 18/4/2014
بقلم: أمنون لورد
صعد السفير الروسي لدى بولندا على المنبر لإلقاء كلمة بالخيمة الكبيرة التي أقيمت في بيركيناو. وأكد على أن قوات الجيش الأحمر الروسي هي التي حررت أوشفيتس – بيركيناو. قائد القوة التي حررت المعسكر كان رائداً يهودياً. إنها لم تكن نزهة وفتح أبواب- هذا ما اتضح من كلام السفير الروسي. الضابط اليهودي الروسي قاد المعركة التي جرت لتحرير المعسكر من الألمان، وقد سقط نحو 250 جندياً روسيا بتلك المعركة. هذه واحدة من الأشياء التي لم تكبد وسائل الإعلام الإسرائيلية، بما في ذلك الفيسبوك، لم تكبد نفسها عناء إعداد تقرير حولها في تغطية زيارة وفد الكنيست إلى أوشفيتس – بيركيناو في أواخر يناير من العام الجاري، في يوم المحرقة الدولي.
من الشائع أيضاً اليوم الزعم بأن السلاح التشيكوسلوفاكي ذو الدعم السوفيتي هو الذي أنقذ الوضع خلال حرب الاستقلال. من هنا يمكن للمرء أن يتصور شكل العلاقات الإسرائيلية – الروسية عبر التاريخ في القرن العشرين وأوائل القرن الـ 21 باعتبارها عكرة، بل ومريرة، لكنها كانت أيضاً حلوة وفي بعض الأحيان تكون ممتلئة بالسكر. راجع القصائد الروسية لنتان يوناتان.
في وسط ذلك المركز المعادي للصهيونية والسامية الذي سيطر على دول الاتحاد السوفيتي وعمل ضد اليشوف(الاستيطان القديم) في أرض إسرائيل وبعد ذلك ضد دولة إسرائيل، دائما كانت هناك نواة مؤيدة للصهيونية في الحكومة السوفيتية، بوجه عام في وزارة الخارجية، وبوجه خاص أندريه جروميكو. داخل المؤسسة الصهيونية كان هناك دائماً رجال اتصال أخذوا على عاتقهم المخاطر وحافظوا على الاتصالات الوثيقة مع العناصر الموالية للصهيونية في الاتحاد السوفيتي. أحد هؤلاء كان ناحوم جولدمان الذي حافظ على قناة اتصال مع جروميكو منذ منتصف الثلاثينيات حتى مطلع عقد السبعينيات.
إن الغضب في البيت الأبيض، والذي تم الحديث عنه بإسهاب في وسائل الإعلام، من “الموقف المحايد” لإسرائيل في الصراع الروسي – الأمريكي حول الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم واجتياح أوكرانيا، يعيد النقاش حول التوجه السليم لإسرائيل بين الكتلتين. رئيس الوزراء نتنياهو ووزير الخارجية ليبرمان ينتهجان في هذه الجولة خطاً مختلفاً عن ذلك الذي انتهجه دافيد بن جوريون في مطلع الخمسينيات.
حتى لو أنها ليست بالضبط نفس السياسة المحايدة التي أوصوا بها بعد حرب الاستقلال أشخاص مثل كوبا ريفتين، وموشيه سنيه، وناتان يلين مور، ويتسحاق شامير، وأوري أفنيري، فإن هذا لا يزال نوعاً من البراجماتية التي يمكن وصفها بالحيادية النشطة والديناميكية. من الأفضل لاسرائيل ألا تتخذ جانباً في الصراع الأوكراني، وليس لأن فلاديمير بوتين بات هو الخبر السار. بوتين لازال خبراً سيئاً. ولكن المصالح الأمنية البحتة تملي على إسرائيل اتخاذ خطوات عنوانها الرئيسي: ما هي مخاطر إفساد العلاقات.
إسرائيل لديها علاقات جيدة نسبيا مع روسيا، وهناك بإسرائيل طائفة كبيرة من المهاجرين الروس وكذا توجد بروسيا جالية يهودية، والصراع الروسي – الأمريكي ليس مجزياً لإسرائيل لكي يلحق بها ضرراً منه إذا قررت الوقوف بكامل ثقلها مع الجانب الأمريكي. في حديث مع مصدر روسي قبل قرابة ثلاثة أسابيع خلال مؤتمر حول العلاقات الأوروبية – الإسرائيلية، قيل لي صراحة إن روسيا استوعبت جيداً موقف نتنياهو وليبرمان، مؤكدة أنها راضية عن ذلك.
لكن السلوك الإسرائيلي المستقل فيما يتعلق بأوكرانيا ليس بدعة. فطوال الثلاث سنوات الأخيرة، أي طوال سنوات الربيع العربي، اتخذت إسرائيل سياسة مختلفة عن الولايات المتحدة. فسياسة نتنياهو تجاه مصر، وسوريا وحزب الله، وتركيا وإيران وحماس – غزة مختلفة بل وتتقاطب مع سياسة إدارة أوباما. فمن الذي تصرف بشكل أكثر حكمة إسرائيل أم الولايات المتحدة؟ الإجابة بعد ثلاث سنوات قاطعة. فقد أثبتت إسرائيل حكمة سلوكها مع استخدام القوة عند الضرورة وإنشاء قنوات اتصال جيدة مع مصر والمملكة العربية السعودية. بينما تواجه الولايات المتحدة، في المقابل، انهياراً إقليمياً.
هذا أيضا هو سبب حفاظ إسرائيل على الموقف المحايد في الصراع الروسي – الأمريكي. فالولايات المتحدة التي أضاعت الشرق الأوسط وتسببت في الهيمنة الروسية والإيرانية، ينظر إليها في العام الماضي كركيزة ضعيفة إن لم تكن هشة.
إسرائيل لا يمكنها أن تستثمر فقط في صندوق أمريكا- إسرائيل، بل أنها ملزمة بمراعاة روسيا. في السنوات التي قررت فيها إسرائيل اتخاذ توجه موالي للغرب وأمريكا، دفعت مقابل ذلك ثمنا باهظا. بل أنه يمكن للمرء أن يمعن النظر في السياسات التي أقرها بن جوريون بعد حرب الاستقلال وخاصة منذ عام 1950 عندما اندلعت الحرب الكورية، فهي لم تكن في نهاية المطاف سياسة خاطئة. لم تكن إسرائيل ملزمة بالسجود لستالين وسلالة كيم ايل- سونج بكوريا الشمالية للبقاء على الحيادية في الصراع بين الكتلتين الذي اندلع في عام 1950.
لكن بن جوريون قرر التأكيد على أن إسرائيل تقف في صف الجانب الغربي الأمريكي. وفي يناير 1951 كانت إسرائيل هي من تقدم بمشروع قرار للأمم المتحدة لبدء محادثات وقف إطلاق النار في كوريا. وفي عام 1953، قرر السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة (والولايات المتحدة) ابا ايبان ندب 200 ألف جندي إسرائيلي للحرب.
في أعقاب إعلانه هذا نشر ذلك المقال في مجلة “صوت الشعب” الصادرة عن حركة ماكي الشيوعية، والذي أدى لإغلاقها بشكل مؤقت، وما تبقى من كل تلك الفترة هو صوت الشعب الصادر عن القاضي أجرانات. بالمناسبة، كل من سيقرأ ذلك المقال اليوم، الذي يتحدث عن الحفاظ عن الاستقلال القومي لدولة اسرائيل والاحتفاظ بالنقب تحت أيدي إسرائيل، سيجد صعوبة في تصديق أن أحفاد تلك الأيديولوجية التي وضعها كتاب المقال يسعون لتجريد إسرائيل إقليمياً وقانونياً وسياسياً واجتماعياً. هذا المقال وطني، يوجد في مكان ما بين حزب العمل والليكود بالمصطلحات الآنية. لكن بالنسبة لبن جوريون، كان المقال النقدي للحكومة حجة لإغلاق الصحيفة الشيوعية.
عاموس مانور، رئيس الشاباك خلال عقد الخمسينيات ومطلع الستينيات، أشار دوماً إلى التحالف مع الولايات المتحدة باعتباره أحد أركان العقيدة الأمنية الإسرائيلية، مثلما قال بن جوريون. وفي حديث أدلى به المؤرخ نير مان وصف المشكلة التي واجهها بن جوريون قائلاً “لقد تطلع بن جوريون لإقامة شبكة علاقات وتفاهمات سياسة الولايات المتحدة كهدف استراتيجي. وقد تصادمت رغبته في أن يثبت للولايات المتحدة ولائه مع تحفظات الحكومة الإدارة الأمريكية في واشنطن حيال إسرائيل”.
أنا أيضاً سمعت من مانور حول النظرية القائلة بأن التحالف الاستراتيجي بين إسرائيل والولايات المتحدة يجب أن يتم الحفاظ عليه كلبنة أساسية بالعقيدة الأمنية. فهل نفع ذلك حقا إسرائيل على مر السنين؟ الأمر يستحق أن نبحث لمرة إلى أي مدى لم تكن جولات الحرب التي خلقت جمود الصراع العربي – الإسرائيلي، نتيجة لالتزام إسرائيل المفرط حيال الأمريكيين.