1-10-2014
افرايم كام -معهد دراسات الأمن القومى
إن نجاح تنظيم الدولة الإسلامية (تنظيم داعش) يمثل مزيجاً من القوة والضعف، فقواته متحركة وسريعة ومباغته، وهى تدمج بين قدرات جيش صغير وتكتيك الإرهاب، ولا يمكن إصابتها بالقدر الكافى.
إن نجاحات هذا التنظيم تزيد من قوته وتتجلى فى الحصول على الأموال والأسلحة، وفى جذب متطوعين، وبناء منطقة كبيرة على الأرض فى العراق وسوريا والتى لا تستطيع أنظمة الحكم فى كل منهما مواجهتها وهى مرهونة بالمساعدات القادمة من الولايات المتحدة وإيران.
وتلك الدولتين تقصران أنشطتهما ضد تنظيم داعش على الهجوم الجوى وهو ما لايفيد بالقدر الكافى، كما أن المساعى السياسية للقضاء على التنظيم ليست سهلة.
تنظيم داعش تنظيم صغير قدرته محدودة فى السيطرة على مناطق أخرى، كما أن الدعم السنى له فى العراق محدود، فى حين يبدأ خصومه فى الإصطفاف للعمل ضده. وهناك أغلب المسلمين لديهم تحفظ فيما يتعلق بتوجهاته، وإمكانية تحقيق فكرة الدولة الإسلامية الخاصة به ليست كبيرة. ويبدو اننا فى المستقبل سنتجه نحو الحديث عن ضعف تنظيم داعش، ومع ذلك فمسألة القضاء على التنظيم لن تكون قصيرة المدى ويبدو أن التنظيم لن يختفى بسرعة.
نقطة انطلاق صعود ” الدولة الإسلامية”
ان صعود تنظيم ” الدولة الإسلامية ” فى العراق وسوريا ناتج عن ثلاث تطورات أساسية: أولها هو ظهور تنظيم ” القاعدة” على الساحة الدولية، وهو التنظيم الذى يسعى من أجل تقديم الفكرة الإسلامية الجهادية فى العالم.
تم إنشاء تنظيم القاعدة عام 1988، لكنه بدا تهديداً على استقرار المجتمع الدولى وعلى أمن العديد من الدول خاصة بعد هجومه الإرهابى فى الولايات المتحدة فى سبتمبر عام 2001، وقد كان موقفه المتشدد سبباً فى جذب الشباب المسلم إلى صفوفه وساهم ذلك فى إنشاء تنظيمات أخرى على شاكلته، والتى تكتلت فى إطار حركة موسعة سميت بالجهاد العالمى. وقد كان تنظيم الدولة الإسلامية أو الإسم القديم ” تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق والشام” ( تنظيم داعش، حروف مختصرة باللغة العربية) النتاج الأكثر تهديداً لهذا التطور.
التطور الثانى هو أن التدخل العسكرى الأمريكى فى العراق عام 2003. واحتلال العراق قد أدى إلى تحول فى طابعه السياسى والإجتماعى وفى قدراته الإستراتيجية، وضعفت السلطة المركزية جداً. وقد تحول الشيعة، الذين يشكلون 60% من السكان وتم قمعهم لعدة أجيال على يد الأقلية السنية، ليكونوا العنصر الذى يقود العملية السياسية العراقية.
والسنة الذين اعتادوا على السيطرة على العراق أصبحوا على هامش الخريطة السياسية، رغم وجود تمثيل لهم فى الحكومة والبرمان، وقد أدى إحباطهم إلى قيامهم بإنشاء ميليشيات مسلحة مارس بعضها الإرهاب ضد خصومهم وخاصة الشيعة الذين ردوا بنفس الطريقة، وكانت النتيجة حرباً أهلية صعبة خاصة بين الميليشيات السنية والشيعية، والتى قتل خلالها – وفق تقديرات مختلفة – عدداً يتراوح بين 130 إلى 150 ألف شخص، وربما أكثر.
فى المقابل فكك الأمريكان الجيش العراقى تماماً، والذى كان فى بداية تسعينيات القرن العشرين أكبر جيش عربى. وأنشأوا بدلاً منه قوات الأمن العراقية، وهى قوة كبيرة قدر عددها فى عام 2014 بحوالى 650 ألف شخص، منهم حوالى 280 ألف فى الجيش والباقى فى الشرطة، وبالرغم من كثرة هذه القوات إلا أنها ليس لديها أى قدرة على حماية العراق ضد أى عدو خارجى، فليس لدى العراق سلاح جو حقيقى أو صواريخ أو سلاح غير تقليدى، ولديها قوة مدرعة صغيرة فقط.
والمهمة الرئيسية لقوات الأمن العراقية هى حفظ النظام والأمن الداخلى، لكنها أيضاً فشلت فى ذلك، خاصة بعد الصراع الدامى بين الطوائف المختلفة، وفى الواقع فإن الميليشيات الطائفية لديها تأثيراً أكبر من قوات الأمن الحكومية، ولذلك فإن هناك تطورأ هاماً آخر وهو أن القوات الأمريكية قد خرجت من العراق فى نهاية عام 2011، وبذلك تركت المنطقة للصراعات الداخلية والتى أدت فى نهاية الأمر إلى سيطرة تنظيم داعش على طوائف ذات ثقل فى الشمال الغربى للدولة.
التطور الثالث هو الحرب الأهلية المتواصلة فى سوريا دون حسم، والتى أدت حتى الآن إلى مقتل حوالى 190 ألف شخص. وقد دخلت فى الصراع بين نظام الأسد وقوات المعارضة عناصر جهادية، بعضها مرتبط بالقاعدة، وهى تهدد النظام السورى وتؤثر أيضاً على الحرب الأهلية فى العراق وعلى تنامى قوة تنظيم داعش، وفراغ السلطة الذى نشأ فى سوريا أتاح لتنظيم الدولة الإسلامية هناك بناء قاعدة عمليات تساعده فى الوصول إلى أهدافه فى العراق.
الدولة الإسلامية : الخلفية.
انشق تنظيم الدولة الإسلامية عن القاعدة عقب صراع بين قائد التنظيم أبو بكر البغدادى وزعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهرى حول قيادة الجهاد العالمى، فتنظيم تنظيم داعش يرى فى نفسه الوريث الحقيقى للقاعدة، والذى يعتقد وفق مفهومه أن تنظيم القاعدة بشكله الحالى قد حاد عن طريق مؤسسه أسامة بن لادن وعليه فإن صلاحية الظواهرى ليست شرعية.
والعلاقة بين تنظيم داعش وجبهة النصرة ، فصيل القاعدة الذى يعمل فى سوريا ضد نظام الأسد يشوبها الشك والعنف.
فى أبريل عام 2013 ظهر العداء على الأرض عندما أعلن البغدادى مد ” الدولة الإسلامية فى العراق” إلى سوريا وتغيير إسم التنظيم إلى “الدولة الإسلامية فى العراق والشام”، وفى أعقاب ذلك حاول الظواهرى أن يصدر تعليمات لتنظيم داعش لإعادة رجاله من سوريا إلى العراق، لكن البغدادى رفض ذلك، وفى يناير عام 2014 أعلن أن تنظيم داعش لم يعد بعد جزءاً من القاعدة.
وفى ربيع عام 2013 بدأ تنظيم داعش فى نقل قوات من سوريا إلى غرب العراق، وفى بداية عام 2014 سيطر على عدة مدن فى محافظة الأنبار من بينها مدينة الفلوجة الواقعة على بعد حوالى 40 كم غرب بغداد. وقد بدأت سلسلة نجاحات تنظيم داعش فى العراق فى يونيو 2014 عندما سيطر على الموصل ثانى أكبر مدينة فى العراق، وعلى تكريت مسقط رأس صدام حسين. وحاول تنظيم داعش أيضاً السيطرة على مدينة كركوك الواقعة تحت السيطرة الكردية. وإذا نجح فى ذلك فإن الأمر يعنى السيطرة على جزء هام من البنية التحتية للنفط فى العراق. وقد انتصر التنظيم بالفعل فى عدة معارك مع المليشيا الكردية العراقية، البشمرجة، لكنه لم ينجح فى إخراجها من كركوك، ومع ذلك فقد نجح فى السيطرة على سد الموصل لعدة أسابيع وهو الواقع على نهر دجلة ذو الأهمية الإستراتيجية وكان أمامه هدفأ أساسياً وهو السيطرة على بغداد كجزء من خطة متعددة المراحل لإقامة دولة إسلامية من العراق إلى لبنان.
وبعد إنجازات تنظيم داعش فى يونيو عام 2014 أعلن البغدادى عن قيام الخلافة الإسلامية، ونصب نفسه خليفة عليها وقام باختصار اسم التنظيم ليكون ” الدولة الإسلامية” ليؤكد على أنه لايرضى بتقسيم العالم الإسلامى إلى دول قومية تفصلها الحدود. ومن أجل ذلك توجه تنظيم داعش إلى المسلمين فى أنحاء العالم بنداء لتغيير النظام القائم والتمرد على الأنظمة القائمة وتوسيع حدود الخلافة الإسلامية إلى جميع أنحاء العالم الإسلامى، وفكرة إحياء الخلافة وإقامة الدولة الإسلامية أثارت حماس العديد من الشباب وجذبتهم إلى التنظيم، خاصة بسبب الجمع بين الرؤية والنجاحات على الأرض، وبذلك مثلت تنظيم داعش تحدياً للتنظيمات الإسلامية المنافسة ومنها القاعدة التى باتت فى وضع صعب، وبذلك زاد الصراع بين السنة والشيعة.
الدولة الإسلامية – نقاط القوة والضعف.
إن نجاحات تنظيم داعش فى سوريا وفى العراق خاصة والسرعة التى تم بها إنجاز ذلك فاجأت كل العناصر المعنية بالأمر، كالحكومة العراقية والميليشيات الشيعية والكردية، ونظام الأسد وإيران وجيران العراق وسوريا، والولايات المتحدة، وحكومات الغرب وإسرائيل أيضاً.
إن الانجازات المفاجئة لتنظيم داعش وانهيار القوات التى وقفت أمامه والوحشية التى بدت عليها أعماله وتنامى قوته بعد هذه الإنجازات وصعوبة وجود رد مناسب له، وطموحه وتطلعاته غير المحدودة، والتهديدات الخطيرة الكامنة فى إنشاء القطاع الأرضى الكبير الذى أنشأ بواسطة التنظيم فى العراق وسوريا، كل ذلك أثار مخاوف وقلق كبيرين لدى الدول التى من المفترض أن تتأثر بخطوات التنظيم المستقبلية، وهناك من يعتقد أن تنظيم داعش أخطر وأكثر تهديداً من القاعدة، لأن لديه قطاع أرضى كبير وقدرات عسكرية ومصادر مالية.
وهناك العديد من العوامل التى تشكل قوة ونجاح تنظيم داعش أولاً القوات التى واجهته خاصة فى العراق أظهرت ضعفاً واضحأ وعجزاً كبيراً، فقوات الأمن العراقية أنشئت وسلحت وتدربت على يد الولايات المتحدة خلال حوالى سبع سنوات بتمويل مالى ضخم، وبعد خروج القوات العسكرية من العراق استمر المستشارين الأمريكان فى المساعدة فى بناء تلك القوات، وقد تشكلت هذه القوات من أبناء الطوائف الثلاث الرئيسية فى العراق، وفى المقابل نشطت الميليشيات الطائفية ولم يكونوا متكتلين ولم يظهروا جدية كافية أمام ضغوط تنظيم صغير، لكنهم عملوا على تحقيق أهدافه. ونتيجة لذلك لم تصمد قوات الأمن العراقية فى مهمتها الأساسية فى وقت الاختبار، ومع سقوط الموصل فى يد تنظيم داعش فى يونيو 2014 انهار حوالى خمسة من بين 18 فرقة للجيش العراقى خلال 48 ساعة.
لم تكن قوات الأمن العراقية جديرة بوضعها الحالى بمواجهة تنظيم داعش، وأيضاً الميليشيات الشيعية التى سُلحت ودُربت فى إيران لم تُظهر قدرة على الوقوف أمام التنظيم، حتى الميليشات الكردية العراقية، البشمرجة، وهى أحدى الميليشيات الأكبر فى العراق والتى عملت من خلال قواعدها فى المقاطعة الكردية، أظهرت ضعفاً أمام تنظيم داعش.
وكان لذلك عدة أسباب وهى أنها سُلحت على يد الولايات المتحدة الأمريكية بسلاح خفيف لم يكن مفيداً أمام الأسلحة الثقيلة التى يملكها تنظيم داعش ولديها خبرة فى حرب العصابات القروية لكن ليس لديها خبرة فى قتال المدن والعمليات الهجومية ومعظم مقاتليها من البالغين.
ثانياً تنظيم داعش ليس تنظيماً كبيراً، ففى بداية سلسلة نجاحاته فى العراق ضم تنظيم داعش وفق تقديرات مختلفة حوالى 10 آلاف رجل، ثلثهم من المقاتلين المُدربين وذوى الخبرة ومنهم من كان فى القتال فى سوريا وحوالى ألف من المتطوعين الأجانب والذين حصل بعضهم على خبرة فى الشيشان والبوسنة.
لكن التنظيم اليوم يحصل على مساعدة القبائل السنية من رجال حزب البعث العراقى السابق ومن ميليشيات سنية مسلحة، ووفق أحدث تقديرات الــ CIA تضم قوات تنظيم داعش الآن مايتراوح بين 20 إلى 31 ألف شخص. وتعريف تنظيم داعش على أنه تنظيم إرهابى لايستنزف قدراته فالتنظيم يجمع بين القدرات التكتيكية فى مجال الإرهاب، والتى تطورت فى السنوات التى قاتل فيها رجال التنظيم ضد القوات الأمريكية فى العراق، وبين مكونات جيش نظامى صغير. وانضم إلى التنظيم أيضاً ضباط وجنود من جيش صدام حسين، وهؤلاء الضباط لديهم خبرة فى التخطيط للعمليات وتسيير وحدات عددها يتراوح بين 200 إلى 300 مقاتل، فى مستوى الفصيلة والكتيبة.
وقد ساهمت الخبرة العسكرية لدى بعض مقاتلى تنظيم داعش فى تجاحاته على الأرض، خاصة بواسطة الحركة السريعة على طول الطرق الجيدة فى العراق، من خلال استخدام العربات المدرعة التى أُخذت من قوات الأمن العراقية ومن الجيش السورى.
والقدرة على الحركة تتيح لمقاتلى تنظيم داعش ميزة عددية محلية أمام خصومهم ومفاجأتهم. بالإضافة إلى أن تنظيم داعش ليس لديه قواعد ومراكز قيادة وسيطرة ومنشآت ثابتة، ولذلك من الصعب ضربها.
ثالثاً تنظيم داعش بعد يونيو 2014 هو تنظيم ذو قدرات متطورة، وأدت نجاحاته إلى امتلاك سلاح ثقيل وحديث من صنع الولايات المتحدة والذى تم الإستيلاء عليه من قوات الأمن العراقية والسلاح أيضاً الذى تم الإستيلاء عليه من الجيش السورى، وذلك منحه ميزة على الميليشيات الشيعية والكردية، وهناك حقيقة لاتقل أهمية وهى أنه خلال تقدمه سيطر تنظيم داعش على مصادر مالية حقيقية، خاصة بعد نجاحه فى الإستيلاء على البنوك فى المدن التى سقطت فى يده، وكذلك السيطرة على مصادر النفط.
وهناك مصادر مالية هامة أخرى تحت سلطة التنظيم حالياً، فهو يغتصب أموالاً من رجال الأعمال وضريبة حماية من الأقليات فى المنطقة الواقعة تحت سيطرته، ويطلب فدية فى مقابل إطلاق سراح الرهائن الذين أخذهم، وتحوله إلى تنظيم لديه وسائل مالية تتيح له دفع رواتب رجاله، جلب إليه متطوعين كثيرين زادوا من الطاقة البشرية التى تحت سلطته.
رابعاً يسيطر تنظيم داعش حالياً على كل الحدود السورية العراقية والمقاتلين والسلاح يتحركون بحرية على الجانبين ويزيدون حسب الحاجة من القدرة القتالية للتنظيم فى هاتين الدولتين، فنجاحات تنظيم داعش فى العراق تقوى من أراضيه فى سوريا والعكس صحيح.
وانسحاب قوات الأمن العراقية الكامل من المنطقة الحدودية وحقيقة أن العراق ليس لديه قدرة هجومية جوية يتيح لتنظيم داعش نقل القوات والسلاح الثقيل إلى مناطق شمال غرب العراق والتى يقاتل فيها القبائل المحلية ذات التسليح الخفيف.
وتتيح سيطرة تنظيم داعش على جانبى الحدود السورية العراقية له القدرة على اقامة منطقة إقليمية إرهابية كبيرة فى قلب الشرق الأوسط، فى محاولة لتحقيق فكرته عن ازالة الحدود بين الدول الإسلامية والمضى قدماً نحو بناء خلافة إسلامية كبرى.
ووفق التقديرات يسيطر تنظيم داعش حالياً على حوالى ثلث أراضى سوريا وحوالى ربع أراضى العراق، وفى مناطق سيطرته يوجد على الأقل 8 ملايين نسمة، وسيطرة التنظيم على منطقة الرُطبة غرب العراق أتاح له التوجه مباشرة نحو الحدود العراقية مع الأردن والسعودية، وتنظيم داعش لا يبسط بالضرورة سيطرة كاملة على المناطق التى سيطر عليها فى العراق لكن رسوخ أقدامه فيها يتزايد فقد أنشأ بذرة لحكومة وإدارة تقوم عليها، كما أن سيطرته على العديد من المدن الهامة وعلى رأسها الموصل وعلى محاور الحركة والأنهار والسدود تمنحه أفضلية على خصومه.
فى النهاية كانت لسياسات رئيس الوزراء العراقى السابق نورى المالكى دوراً هاماً فى تنامى قوة تنظيم داعش، فالمالكى الذى كان على رأس الحكومة بين مايو 2006 ويوليو 2014 ظهر كحاكم مستبد وفاسد منع خطوة حقيقة للمصالحة الوطنية بين الطوائف فى العراق، وأضعف وأفسد قوات الأمن العراقية فى سعيه لبناء قوته الشخصية وحكومته على أساس التأييد الشيعى، حيث قضى على أى رغبة جيدة وصادقة من جانب السنة، وبسبب سياساته تلك اعتمد المالكى على إيران وأقام علاقات متقاربة مع نظام الأسد، وبذلك أقصى السنة فى العراق أكثر.
أغلب القادة المعتدلين فى القبائل والميليشيات والتنظيمات السنية فى العراق لاتشجع الموقف الدينى والثقافى المتطرف لتنظيم داعش، ولكن كرههم للمالكى وحكومته كان كبيراً حتى أصبحوا مستعدين لدعم التنظيم، أضف إلى ذلك أن هناك الكثير من القادة السنة فى العراق انتموا إلى نظام صدام حسين وتمنوا لو أعاد تنظيم داعش الحكم فى الدولة إلى أيدى السنة.
وإلى جانب نجاحات تنظيم داعش كانت لديه عيوب وقيود واضحة، أولاً تنظيم بهذا العدد الكبير مثل تنظيم داعش يصعب عليه السيطرة على المناطق التى استولى عليها وإدارتها ويسيطر فى الوقت ذاته على مناطق أخرى، خاصة انه من الآن تقع على عاتقه مسئولية حياة وأرزاق ملايين الناس، ويبدو أنه سينجح أكثر فى المناطق التى يوجد بها سكان كثر من السنة، لكنه سيجد أنه من الصعب فرض سيطرته على المناطق التى بها تكتلات للشيعة والأكراد.
سيحتاج تنظيم داعش إلى تركيز جهوده على فرض سيطرته على المناطق التى استولى عليها ويقيم عليها بنية تحتية اقتصادية مستقرة للدولة التى يريد قيادتها، أو توسيع محاولاته للسيطرة على الجنوب الشيعى فى العراق أو وسط سوريا، وهو مكان سيطرة وقوة نظام الأسد. ويبدو أن تنظيم داعش لايستطيع السيطرة على بغداد والتى جعلها هدفاً أساسياً له لأن غالبية سكان المدينة من الشيعة وستفعل الميليشيات الشيعية وقوات الأمن الحكومية كل ما تستطيع لحماية البيت، وفى هذه الحالة من المتوقع أن يزيد تنظيم داعش من الهجمات الإستعراضية على العاصمة العراقية ليثير فيها الخوف.
ثانياً تنظيم داعش لايستطيع تمثيل أو جمع السنة جميعاً طوال الوقت، فالائتلاف الذى يسانده ليس متكتلاً، وبه أصحاب مصالح متضاربة، وهم رؤساء القبائل، والمخضرمين من نظام صدام حسين وجهاديون، وجزء كبير من قادة السنة الذين أيدوا تنظيم داعش حتى الآن بصورة أو بأخرى، فعل ذلك بمعنى أنه ليس حباً فى مردخاى ولكن كرهاً فى هامان( قصة توراتية وردت فى سفر استير)، وعلى الأقل فإن هناك بعضهم يتحفطون على التطرف الدينى للتنظيم، ومن إقامة الخلافة، وإزالة الحدود، واضطهاد الأقليات، ووحشيته الواضحة، وبالرغم من ذلك فهم يواصلون دعم تنظيم داعش كرهاً فى المالكى وسياساته وأملاً فى أن يقوى التنظيم موقف السنة فى العراق.
وليس من الواضح حتى متى سيستمر دعمهم لتنظيم داعش، خاصة بعد أن تمت إقالة المالكى من منصبه وهناك تطلع لتغيير السياسات الداخلية للحكومة، وفيما يتعلق بضباط جيش صدام حسين الذين انضموا إلى لتنظيم داعش، هناك احتمالية أن تحاول الولايات المتحدة والحكومة العراقية إقناع بعضهم بمساعدة قوات الأمن الحكومية، وهناك خطوة كهذه تم القيام بها فى عامى 2006 و 2007، حيث نجحت الولايات المتحدة فى الوقيعة بين القادة السنة والقاعدة.
لكن بعد خيبة الأمل والإحباط فى أوساط السنة فى العراق فى السنوات الأخيرة، يبدو أنه سيكون من الصعب تكرار نجاح هذه الخطوة.
ثالثاً، يتمتع تنظيم تنظيم داعش حتى الآن بانخفاض مستوى الرد الدولى على أعماله والتدخل الخارجى ضده فى العراق وسوريا، ولكن خصومه يبدأون فى الإصطفاف للقضاء عليه. الرد على التهديد الذى يشكله تنظيم داعش ليس سهلاً ونجاحه ليس مضموناً وسيتطلب تحقيقه على أى حال فترة من الزمن، لكن إذا بدأ المجهود الأمريكى فى إنشاء تحالف مفيد ضد التنظيم، فى أن يوتى ثماره، من المتوقع أن يجد تنظيم داعش نفسه أمام قوات أقوى منه بكثير، وحينئذ من الممكن أن يفقد الفاعلية التى ميزته، وجزء من إنجازاته.
طرق القضاء على ” الدولة الإسلامية”
بالرغم من قلق العديد من الدول من صعود تنظيم داعش إلا أن هناك اثنتان فقط منهما تأخذان فى الإعتبار الحاجة إلى اتخاذ خطوات واضحة ضد التنظيم وهما الولايات المتحدة وإيران، وهاتان الدولتان تريان فى صعود التنظيم تهديداً حقيقياً على مصالحهما، ومن المفترض أن لكليهما القدرة على اتخاذ خطوات عسكرية ضد التنظيم.
الإدارة الأمريكية قلقة من احتمالية تنامى القطاع الراديكالى فى قلب الشرق الأوسط، والذى سيُصَدِّر الإرهاب ضد الأهداف الأمريكية والغربية فى العالم وضد حلفاءه فى الشرق الأوسط ويزعزع استقرار الدول الإسلامية فى المنطقة وما بعدها.
وترى إيران أن نطاق عمل تنظيم داعش الحالى موجود فى أهم ثلاث دول بالنسبة لها فى المنطقة، العراق وسوريا ولبنان، بمعنى أن تنظيم داعش يهدد المكانة الرائدة للشيعة فى العراق وعلى الميليشيات الشيعية المرتبطة بإيران، وبذلك يهدد مستقبل نظام الأسد والمجتمع الشيعى فى لبنان. والتنظيم أيضاً يهدد المصالح الإقتصادية الإيرانية فى العراق وسوريا، وإيران تخشى أيضاً فى حالة انقسام العراق إلى دولتين أو ثلاث دول أن يمتد إليها هذا التقسيم كونها دولة بها أقليات هى الأخرى.
استعرضت الإدارة الأمريكية فى بداية سبتمبر من عام 2014 الإستراتيجية التى بلورتها للعمل ضد تنظيم داعش، والخطوة الأولى التى تريدها الإدارة وقف سلسلة نجاحات تنظيم داعش فى العراق وسوريا، وتفتيت تدريجى لإنجازاته على الأرض، وفى مقدمة ذلك تحرير مدينتى الموصل وتكريت وتخفيف الضغط الواقع على الأكراد .
وفى خلال هذه العملية فإن الهدف هو القضاء على القطاع الأرضى الكبير الذى أقامه تنظيم داعش فى العراق وسوريا، وفى نهاية هذه العملية، القضاء على التنظيم وإزالة التهديد الخطير الذى يشكله.
تدرك الإدارة الأمريكية أنه يجب فى مواجهة تنظيم داعش الجمع بين العمليات العسكرية والمساعى السياسية، لأن معالجة الأمر بإحدى هاتين الطريقتين فقط لن يكون كافياً، كما أنه من الواضح للإدارة الأمريكية أنها لا تستطيع تحقيق أهدافها دون شركاء، لذلك سمحت بقيام تحالف موسع، يضم دولاً من الشرق الأوسط ودولاً غربية، وتلك الدول من المفترض أن تساهم فى المجهود الشامل للقضاء على تنظيم داعش، وذلك عن طريق المشاركة فى الهجمات الجوية، وتقديم الخدمات اللوجستية، وتدريب الوحدات التى ستعمل ضد التنظيم والمشاركة المالية، وبذلك يضفون شرعية للعملية الخاصة بالولايات المتحدة.
وتنوى الإدارة الأمريكية العمل على ثلاث مراحل لتحقيق أهدافها أمام تنظيم داعش:-
1- توسيع الهجمات الجوية فى العراق وسوريا وتحويلها إلى هجمات ممنهجة على أهداف تنظيم داعش، بهدف مساعدة قوات الأمن العراقية والأكراد فى استرداد المناطق التى استولى عليها التنظيم.
2- زيادة دعم قوات الأمن العراقية والمعارضة السورية المعتدلة، عن طريق توفير الوسائل القتالية والإمداد، إرسال حوالى 1600 مستشار إلى العراق، والتعاون الإستخباراتى والتنسيق العملياتى، وكذلك تدريب 5000 من رجال المعارضة السورية فى السعودية، وفى المقابل يعمل التحالف على خفض تدفق المتطوعين إلى تنظيم داعش وتجفيف مصادر تمويله.
3- الخطوة الأكثر صعوبة واستمراية هى تقليل مناطق سيطرة تنظيم داعش حتى القضاء عليه، وفى خلال تلك المرحلة تقوم الولايات المتحدة بمنع هجوم تنظيم داعش عليها وعلى حلفائها، وتقدر الإدارة أن الخطة كاملة من المتوقع أن تستغرق حوالى ثلاث سنوات.
وفى محورى العمل ضد تنظيم داعش الذان اختارتهما الولايات المتحدة – العسكرى والسياسى- تمكن مشاكل كبيرة، على المحور العسكرى نجد أنه من الواضح جدا أن قوات الأمن العراقية بوضعها الحالى من جانب، والمعارضة السورية المعتدلة، ونظام الأسد من الجانب الآخر ليسوا قادرين على مواجهة تنظيم داعش وحدهم، سواء من ناحية كفائتهم العملياتية أو الوسائل القتالية التى لديهم، إلا أن الإدارة الأمريكية ليست مستعدة للدخول فى خطوات عسكرية برية واسعة فى العراق -سوى ربما بعض العمليات المحدودة للقوات الخاصة- أو سوريا بالأخص، وهذا بسبب الصدمة النفسية التى خلفها التدخل العسكرى لقوات الجيش الأمريكى فى العراق.
أسلوب العمل العسكرى يثير على الأقل مشكلتين، الأولى أن هناك شك فى أن الهجمات الجوية أياً كان نجاحها، ستؤدى بشكل كاف إلى إضعاف إنجازات تنظيم داعش، فى الحقيقة نجد أن هجمات جوية كهذه من الممكن أن تؤدى إلى خسارة وإلحاق الضرر بتنظيم داعش، لكن ليست هناك أهداف واضحة للتنظيم يمكن ضربها، وقواته مندمجة فى السكان المحليين ومن الصعب التمييز بينهم خاصة فى المدن ذات الكثافة السكانية العالية. جيش الدفاع الإسرائيلى تعلم فى غزة كيف أن الهجمات الجوية وحدها ليست مفيدة بالقدر الكافى لإسقاط تنظيم إرهابى ضارب الجذور فى منطقة حضرية كبيرة.
الهجمات الجوية لسلاح الجو الأمريكى وسلاح جو الدول الغربية والعربية بدأت فى العراق خلال اغسطس 2014، وساعدت حتى الآن على إعادة سد الموصل الإستراتيجى وعدد من المدن والقرى على جنبات المقاطعة الكرية إلى الميليشيات الكردية، ومنعت سقوط مدينة أربيل الهامة فى يد تنظيم داعش، هذا انجاز هام لكنه لم يغير حتى الآن الصورة العامة لسيطرة التنظيم على أجزاء كبيرة من العراق وسوريا، خاصة وأنه سيطر فى الوقت ذاته على قاعدة جوية سورية هامة، وحقق مؤخراً العديد من الإنجازات الإخرى بالقرب من الحدود السورية التركية.
ومحدودية فاعلية الهجمات الجوية دفعت رئيس الأركان المشتركة الأمريكى الجنرال ديمبسى للقول أنه لا يستبعد إمكانية أن يوصى بإرسال قوات للعمل البرى، إذا لم تكن تلك الهجمات فاعلة بالقدر الكافى، وذلك على الرغم من أن هذا الأمر يتعارض مع سياسات الرئيس أوباما، وأضاف ديمبسى أن التحدى الحقيقى سيكون عندما يحاول الجيش العراقى والأكراد قصف تنظيم داعش من مناطق ذات كثافة سكانية عالية، مثل الموصل.
وفى هذه الحالات من الممكن أن يوصى بإرسال قوات أمريكية للعمليات الخاصة لمساعدة الجيش العراقى، لكن بصورة تختلف عن التدخل العسكرى الأمريكى فى العراق عام 2003.
وقد أشار وزير الدفاع الأمريكى تشاك هيجل إلى أنه إن كانت هناك قوات أمريكية فى العراق فمن التوقع أن يدخل جزء منها إلى سوريا.
المشكلة الثانية فى العملية العسكرية ضد تنظيم داعش فى العراق تتعلق برفع كفاءة قوات الأمن العراقية، وقد قيل بالفعل أن الولايات المتحدة تبذل الجهد والمال الكثير لبناء القوات وأنهم لم يتم اختبارهم.
من الواضح أن رفع الكفاءة يتطلب شهوراً عديدة، وعلى مايبدو سنوات، والسؤال هو ماهى فرصة نجاح الولايات المتحدة الآن فى حين أن قواتها غير موجودة فى العراق وهو المكان الذى فشلت فيه من قبل. أضف إلى ذلك أن الجيش العراقى الذى لم يثبت حتى اليوم نفسه فى الدفاع، سيكون من الصعب عليه كثيراً العمل الهجومى.
المسار السياسى لا يقل أهمية عن المسار العسكرى فى جهود مواجهة المشكلة التى يشكلها تنظيم ” الدولة الإسلامية”. من المنطقى أن نعتقد بأن الخطوات العسكرية- حتى وإن كانت مفيدة- لن تكون كافية لخلخلة الأرض التى يسيطر عليها تنظيم داعش، ولذلك هناك حاجه لمسار سياسى، والهدف الأساسي لذلك المسار هو الوقيعة بين التنظيم ورؤساء القبائل والتنظيمات السنية بهدف زعزعة دعمها له وعزله، لكن الأمر ليس سهلاً حالياً فى ضوء عداء تلك العناصر مع القيادة الشيعية فى العراق.
وبعد أن نجحت الإدارة الأمريكية، بموافقة إيرانية على مايبدو، فى إزاحة المالكى عن رئاسة الحكومة العراقية، يبدو أن السنة لن يسارعوا فى القبول بالعودة إلى الوضع السابق ومحاربة تنظيم داعش. يجب أن نفرض أنهم سيطلبون –كشرط لذلك- نقل صلاحيات من الحكومة المركزية إلى المحافظات وتقسيم الصلاحيات الحكومية من جديد، واتفاق لتوزيع عائدات النفط وربما اقامة محافظة سنية بحكم ذاتى مثل كردستان.
وتجنيد السنة فى الصراع ضد تنظيم داعش يتطلب إضعاف الميليشيات المسلحة الطائفية الأخرى وتقوية قوات الأمن الحكومية، إلا أن ذلك يسشكل مشكلة أخرى، لأن الطوائف لاتعتمد على قوات الأمن وسيرفضون تفكيك الميليشيات الخاصة بهم أو أخضاعها للإدارة المركزية، بمعنى أخر فإن مفتاح مواجهة تنظيم داعش من الممكن أن يكون تغييراً سياسياً حقيقياً فى العراق.
هناك مشكلة أخرى وهى أن تنظيم داعش يعمل فى سوريا والعراق، وهناك ترابط بين عملياته فى كلا الدولتين، والإدارة الأمريكية تقول بأن مواجهة تنظيم داعش يجب أن يتم فى الدولتين معاً، إلا أن ضرب قوة التنظيم فى سوريا يقوى نظام الأسد، والذى تراه الإدارة الأمريكية غير شرعى ويجب إسقاطه. ومن خلال هذا الفهم الضمنى، أوضحت إدارة الرئيس أوباما أنها لن تتعاون مع نظام الأسد وأنها ستبحث خطوات لتقوية المعارضة المعتدلة لنظامه، حتى تقوم بإسقاطه.
مشكلة أخرى هى أن الإدارة الأمريكية حينما بحثت عن حلفاء لها يساعدونها فى القضاء على تنظيم داعش، لم تلغ التعاون مع إيران فى العراق بشرط أن تظهر إيران موقفاً “بناء” فى عملياتها، ودون أى تعاون عسكرى على أى حال بينهما. حالياً تقوم إيران بالعمل على مساعدة الحكومة العراقية والميليشيات الشيعية هناك، وقد أرسلت وسائل قتالية إلى العراق تشمل طائرات مقاتلة وأرسلت ضباطاً من الحرس الثورى للمساعدة فى التخطيط للعمليات وتنظيم القوات وجمع المعلومات الاستخباراتية. وقد كان موقف إيران من التعاون مع الولايات المتحدة فى العراق غير واضح، ربما بعد وجود خلافات فى وجهات النظر فى القيادة الإيرانية، لكنها ألغت أيضاً التعاون العسكرى بين الدولتين فى العراق. وفى الواقع ربما كان هناك تنسيق محدود بين الولايات المتحدة وإيران فى عمليات عسكرية ضد تنظيم داعش فى شمال العراق، لكنه لم يكن مباشراً وتم عن طريق الحكومة العراقية، وقد نفت الإدارة الأمريكية وجود ذلك.
تراجع الولايات المتحدة وإيران عن التعاون الحقيقى بينهما فى العراق بالرغم من اهتمامهما المشترك بالقضاء على تنظيم داعش لايمثل فقط الريبة والعداء بينهما، وهو يأتى من أن الأهداف الإستراتيجية فى سوريا والعراق متناقضة، فالولايات المتحدة تسعى لمساعدة الإدارة العراقية كإدارة معتدلة، ترتبط بالولايات المتحدة والغرب ولايوجد عليها تأثير إيرانى، إدارة تعطى فى قيادتها تمثيلاً للسنة والأكراد، ويتم فيها تقليل ثقل الميليشيات المسلحة، وفى سوريا تواصل الولايات المتحدة السعى من أجل إسقاط نظام الأسد.
وفى المقابل تريد إيران زيادة تأثيرها فى العراق من خلال الإعتماد على قوة الميليشيات الشيعية المرتبطة بها، والتأكد من استمرار الشيعة فى أن يكونوا العنصر الرائد فى قيادة الدولة والتخلص من تأثير الولايات المتحدة عليها، وفى سوريا تريد إيران ضمان بقاء نظام الأسد، وفى ضوء تلك الأهداف المتعارضة، وحيث أن إيران من المتوقع أن تكون الطرف الرابح من القضاء على تنظيم داعش لأن ذلك سيزيد التأثير فى العراق ويساعد على استقرار نظام الأسد، من الصعب أن نرى تعاون حقيقى بين الولايات المتحدة وبينها حتى فى المستقبل.
خاتمة
ان نجاح تنظيم داعش حتى الآن يمثل مزيجاً من القوة والضعف. فقواته متحركة سريعة ومباغته من جانب، تدمج بين قدرات جيش صغير وتكتيك الإرهاب من جانب آخر ولا يمكن إصابتها بالقدر الكافى.
إن نجاحات هذا التنظيم تزيد من قوته مثل فى الحصول على مصادر مالية كبيرة والسيطرة على أسلحة وجذب متطوعين آخرين وتكوين قدرة على الردع، تنظيم داعش نجح فى إنشاء قطاع أرضى كبير سواء فى العراق أو سوريا، وهما الدولتين التى بهما نظامى حكم ضعيفان جداً وليست لديهم القدرة الكافية على مواجهة التنظيم بقواتهم أنفسهم، وفى هذه الحالة فإن قدرة العراق وسوريا على القضاء على التهديد الذى يمثله تنظيم داعش يتعلق بقدر كبير بالمساعدات الخارجية الحقيقية، خاصة من الولايات المتحدة وإيران، لكن بالرغم من أن الإدارة الأمريكية والنظام الإيرانى يدركان خطورة التهديد الجهادى الذى يمثله تنظيم داعش، إلا أن كلاهما يضعون حدوداً مسبقة لاستعدادهم للتدخل بالشكل العسكرى ضد التنظيم، كما أن الخطوات السياسية لعزل تنظيم داعش أو القضاء عليه ليست سهلة.
ومن جانب آخر نجد أن تنظيم داعش تنظيم صغير هناك حدود لقدرته على السيطرة على المزيد من الأراضى، خاصة عندما يتعلق الأمر بمعاقل الشيعة والأكراد فى العراق، أو فى المناطق التى يسيطر عليها نظام الأسد فى سوريا وفى المقابل فرض سيطرته على المناطق التى استولى عليها.
نجد أيضاً أن دعم قادة السنة فى العراق للتنظيم من الممكن أن يكون محدوداً خاصة إذا نجح قادة الشيعة فى التوصل إلى مصالحة وطنية بينهما، ومن المؤكد أن خصوم تنظيم داعش فى العراق والعالم العربى والمجتمع الدولى خاصة، قد بدأوا فى الإصطفاف ضده ومن المتوقع أن يكون هناك رد مناسب عليه بمرور الوقت.
وهناك تغيير محدود طرأ على تلك الخطوة فى أغسطس 2014 فى نظرتين، الأولى أن الولايات المتحدة ودول أخرى بدأت فى الهجوم الجوى على العراق مما أدى إلى نقل السيطرة على سد الموصل الإستراتيجى من تنظيم داعش إلى الأكراد وتخفيف الضغط على المقاطعة الكردية، الثانية هى أن رئيس الوزراء العراقى المالكى أزيح عن السلطة تحت ضغط أمريكى وبموافقة إيرانية، وتتمنى الإدارة الأمريكية أن تكون الحكومة الجديد مستعدة أكثر للمصالحة مع السنة، تلك خطوات محدودة لم تغير حتى الآن الصورة بشكل جوهرى، ومن المبكر جدا الحكم على مدى تغير ذلك بعد اتخاذ تلك الخطوات.
ميزان القوة والضعف الخاص بتنظيم داعش يؤدى إلى استنتاج بأنه من المنطقى التسليم بأن الأمر يتجه نحو ضعفه فى المستقبل، فتنظيم داعش ليس فقط تنظيماً صغيراً لكنه تنظيم لايشكل قوة مركزية فى العالم الإسلامى، ومن الممكن أن نفترض أن الغالبية العظمى من المسلمين يتحفظون على موقف تنظيم داعش ومنهجه، وأن احتمالية تحقيقه لفكرة الخلافة الإسلامية ليست كبيرة، كما أنه من المنطقى أيضاً أن نفترض بأن خطوة القضاء على تنظيم داعش لن تكون قصيرة وأن التنظيم لن يختفى بسرعة من على الخريطة.
ماهى دلالات تلك الأمور على دولة إسرائيل؟ تنظيم داعش يعلن أنه لايرى إسرائيل عدواً من الدرجة الأولى، لكن فى الواقع خطوات التنظيم فيما يتعلق بإسرائيل تأتى فى مرتبة متأخرة فى أولويات التنظيم، والتى يأتى على رأسها صراعاته فى العراق وسوريا وتأسيس الدولة الإسلامية، لكن تهديد تنظيم داعش لإسرائيل من الممكن أن يتزايد فى المستقبل، بعدما يفرغ من صرعاته الحالية، إذن من الممكن أن تكون فى ذلك عدة أمور مثل تصدير الإرهاب ضد الأهداف الإسرائيلية واليهودية، والتهديد العسكرى من ناحية الحدود مع سوريا، وتهديد النظام الأردنى الذى يصب استقراره فى مصلحة إسرائيل، وزيادة خطر التهديد الإرهابى من ناحية سيناء ومحاولة التوغل إلى المناطق الفلسطينية.