13-3-2015
بقلم باراك رافيد
العلاقات مع الولايات المتحدة، الأزمة مع الفلسطينيين، الوضع في غزة، المستوطنات وبالطبع البرنامج النووي الإيراني هي المشاكل السياسية المعقدة التي سيضطر أن يتعامل معها أكثر من أي وقت مضى .
شهد أول أبريل عام 2009 تولى نتنياهو منصب رئيس الوزراء للمرة الثانية، لقد عاد نتنياهو إلي أكثر المكاتب أهمية في الدولة مع الكثير من الطموح السياسي مدعوماً بعدد من مساعديه المخلصين، ولكن ليس أكثر من هذا، وعلى الرغم من مكوثه 10 أعوام من الضياع في صحراء السياسة ومقاعد المعارضة، عاد نتنياهو إلي وظيفته بدون أي إستراتيجية أو برنامج لمعالجة الملفات السياسية ذات الوزن الثقيل التي وضعت على مكتبه.
إلي كل الصحفيين الإسرائيليين والدبلوماسيين الذين أبدوا قلقاً وتساؤلات حول نوايا نتنياهو لكيفية معالجته لمسائل مثل عملية السلام، الوضع في غزة في أعقاب عملية الرصاص المصبوب والعلاقات مع سوريا أو بناء المستوطنات –جاءت الإجابة صادمة ” سنبدأ عملية جديدة لإعادة تقييم السياسات التي سيتم إتخاذها” وهذا ما أجاب به نتنياهو ومساعديه على كل الأسئلة التي وجُهت إليهم في أبريل 2009، وأكدوا أن هذا الإجراء سينتهي قبيل سفر نتنياهو إلي الولايات المتحدة في لقاءه الأول مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما في 18 مايو.
وأخيراً إنتهت “عملية إعادة تقييم السياسات” في وثيقة لاتتعدى الثلاث ورقات قام بصياغتها مستشاري نتنياهو رون دريمر قبل سفر الأول إلي الولايات المتحدة بيومين، وتضمنت رسائل إيضاح حول الأشياء التي لن تفعلها إسرائيل أو غير مستعدة للموافقة عليها.
من بين هؤلاء المسئولين رفيعي المستوى الذين خدموا مع نتنياهو، في صفوف الحكومة طوال الست سنوات الماضية “منهم من هو مستمر في عمله ومنهم من إستقال”، عدد ليس بالقليل الذين يزعمون أنه طوال فترتين من شغله لمنصب رئيس الوزراء لم يكن لنتنياهو أي رؤية أو إستراتيجية منظمة تجاه المشاكل السياسية الأمنية ذات الأولوية، وفي أغلب الأحوال كل ما يفعله هو الإنسياق وراء الأحداث والسياسات التي كان يتم إتباعها –هذا إن وجدت في الأساس- كانت وليدة اللحظة.
لقد مر العالم بشكل عام والشرق الأوسط بشكل خاص بالعديد من الأزمات والحروب ومبادرات السلام والتغيرات التاريخية، وعلى الرغم من ذلك فإن جزء من المشاكل التي كان يجب على نتنياهو أن يتعامل معها ويبلور سياسة معينة للتعامل معها في 2009 لازالت قائمة إلي اليوم مع فارق واحد أنها أصبحت أكثر تعقيداً وهاهي قائمة جزئية بهذه المشاكل:
- الخلافات مع الولايات المتحدة
لقد أدى خطاب نتنياهو أمام الكونجرس الأمريكي الإسبوع الماضي إلي صدع غير مسبوق خلال ست سنوات في العلاقات بين البيت الأبيض في واشنطن ومكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي في القدس، ومن الصعب المبالغة في كم الكراهية التي تولدت لدى أوباما وكبار رجال إدارته نتيجة الضرر المستمر الذي لحق بالعلاقات بين البلدين.
إن البيت الأبيض لن يقول ذلك علانية ولكن لن يكون خطئاً إذا إعتقدنا أن أوباما ورجاله يفضلون رؤية إسحاق هرتسوج رئيساً للوزراء وعلى الرغم من هذا فإن الإعتقاد السائد في الإدارة الأمريكية نتيجة إستطلاعات الرأي الأخيرة أن فرصة نتنياهو ليفوز بفترة جديدة كرئيس للوزراء أكبر من فرصة هرتسوج حتى يُحدث هذا التغيير السياسي.
وإذا فاز هرتسوج في الإنتخابات وقام بشكيل الحكومة فلن يصعب عليه تصحيح العلاقات مع الولايات المتحدة، وبمعنى آخر فإنه مع ذهاب نتنياهو ستنعدم الأجواء القاتمة التي تخيم على العلاقات الإسرائيلية الأمريكية.
وما سيتبقي لهرتسوج سيكون تعيين شخصة رفيعة المستوى كي يصبح سفيراً لإسرائيل في الولايات المتحدة ويكون قادراً على بناء منظومة علاقات قوية وصحيحة وهو الأمر الذي لم يكن متاحاً لنتنياهو في أي وقت سابق.
إن حل العلاقات مع البيت الأبيض سيصبح معقداً إذا إستمر نتنياهو لفترة ولاية آخرى، حيث يراه كبار رجال الإدارة الأمريكية على أنه جزء من المشكلة وليس جزءاً من الحل، ولكنهم يعلمون جيداً أنهم سيضطرون للتعامل معه إذا تم إنتخابه، وكي يتم التعامل بين نتنياهو وأوباما في أطر عمل سليمة سيكون لزاماً على نتنياهو أن يقدم تنازلات مؤلمة، الخطوة الأولى ستكون الإطاحة بالسفير الإسرائيلي في واشنطن رون دريمر الذي يقاطعه البيت الأبيض وإستبداله بشخص مهني ذو علاقات سياسية، يستعد بواسطتها رجال الإدارة الأمريكية للعمل معه.
- الإتفاق مع إيران
على الرغم من أن الخلافات بين الدول الكبري وبين إيران لازالت كبيرة إلا أن الطرفان يعملان بجهد بالغ كي يتم الوصول إلي إتفاق قبل الموعد النهائي المحدد لذلك في يونيو المقبل. وسيكون على رئيس الوزراء الإسرائيلي ،الذي سيحلف اليمين في مايو، أن يعمل كي يؤثر على شروط الإتفاق الذي سيتم توقيعه.
ولكن سيجد رئيس الوزراء الإسرائيلي نفسه مشغولاً فور إنتخابه في الإتصالات مع الولايات المتحدة والدول العظمي بشأن اليوم الذي سيلي الإتفاق، حيث ستكون إسرائيل ملزمة بالوصول إلي تفاهمات مع الإدارة الأمريكية ومع الدول الكبرى حول تعريف الإنتهاك للإتفاق من جانب إيران وما هي العقوبات وردود الفعل على هذه الإنتهاكات.
بالإضافة إلى أنه سيكون لزاماً على هرتسوج أو نتنياهو أن يصلوا إلي تفاهمات مع البيت الأبيض حول الضمانات الأمنية والسياسية التي ستأخذها إسرائيل من الولايات المتحدة في أعقاب الإتفاق مع طهران.
- العلاقات مع السلطة الفلسطينية
إن العلاقات مع الولايات المتحدة تمثل الجنة مقارنة بالموقف الذي وصلت إليه العلاقات مع الفلسطينيين خلال السنة الأخيرة، حيث أن قائمة المكونات لهذه العجينة المتفجرة طويلة تشمل؛ نسف محادثات السلام، القطيعة بين القيادات من الجانبين والجمود السياسي، المحاولة الفلسطينية أحادية الجانب لتمرير قرار في مجلس الأمن لوضع أسس لحل النزاع، الإنضمام لمحكمة العدل الدولية في لاهاي ورفع دعوى ضد إسرائيل عن الأحداث التي وقعت أثناء عملية الجرف الصامد في غزة وعن بناء المستوطنات، وخطوات الرد الإسرائيلي التي صعبت الظروف الإقتصادية الفلسطينية، وخطر وقف التنسيق الأمني على إنهيار السلطة … إلخ.
وأظهر كل من نتناياهو وهرتسوج فروقاً علنية فيما يتعلق بفرص الوصول إلي إنفراجة سياسية حقيقية مع الفلسطينيين، حيث أعرب نتنياهو عن تحفظه فيما يتعلق بخطابه في جامعة بار إيلان من أنه يدعم حل دولتين لشعبين وزعم أن هذا الحل لايلائم الوضع الحالي. بينما قال هرتسوج أنه سيحاول دفع المفاوضات مع الجانب الفلسطيني بل أعرب عن إستعداده لإلقاء خطاب أمام البرلمان الفسلطيني في رام الله، ولكنه أبدى شكوكه في وجود طرف فلسطيني جاد لإدارة هذه المفاوضات.
الفرق الوحيد بين نتنياهو وهرتسوج في إدارة الأزمة الفلسطينية لا يتعلق بالمواقف وإنما بطريقة الإدارة وقبول كل منهما لدى الطرف الفلسطيني، فعلى العكس من نتنياهو الذي لايقف من وراء مواقفه بشكل جاد مع الفلسطينين نتيجة لأسباب تتعلق ببقائه سياسياً فإن هرتسوج مستعد لأن يدعم مواقفه بشكل علني، لذا فإن الفلسطينيين والمجتمع الدولي لا يثقون في نوايا نتنياهو بينما ينظرون إلي هرتسوج كشخص قادر على تعزيز ودفع عملية السلام.
لايهم من سيتم إختياره، لأن مهمة رئيس الوزراء الإسرائيلي القادم ستكون وقف التدهور الحاصل مع الفلسطينيين وإعادة منظومة العلاقات معها إلي إطارها السليم، حيث سيكون هرتسوج أو نتنياهو مضطرين لوقف التصعيد الدبلوماسي مع الفلسطينيين في الأمم المتحدة، ووقف إنهيار السلطة الإقتصادي، ومنع إندلاع إنتفاضة ثالثة.
وفي كل ما يتعلق بإستئناف المفاوضات مع الفلسطينين، أستطيع أن أقول أن القطار قد تحرك من محطته ولن تستطيعوا اللحاق به في هذا التوقيت، إلا أن إختيار هرتسوج رئيساً للوزراء قد يفتح نافذة لتجدد المفاوضات من أجل إتفاق سلام، ولكن ما الفائدة من جولة آخرى من المحادثات بين الطرفين الذين لم يحققا أي حسم إستراتيجي فيما يتعلق بالمشاكل الأساسية التي واجهوها في الجولة الأولى.
إنهم يدركون ذلك جيداً في كل من الولايات المتحدة والإتحاد الأوربي والعواصم الأساسية في أوربا والعالم العربي لذا يعملون جاهدين على إقناع الطرفين بالوصول أولاً إلي حل وحسم للمشكلات الأساسية أو وضع رؤية لحل الصراع قبل الذهاب إلي مجلس الأمن كي يصدر أي قرار متعلق بالنزاع .
لذا يجب على كل من نتنياهو وهرتسوج أن يستعدوا ويفكروا ما هي المصالح الإستراتيجية الإسرائيلية من إتفاق دولي كهذا، وبعد ذلك سيضطر من سيتم إنتخابه إلي خوض معركة دبلوماسية تهدف إلي إقناع الولايات المتحدة والدول العظمي بتبني موقف إسرائيل.
- البناء في المستوطنات
إن الأزمة الرئيسة لعلاقات إسرائيل مع المجتمع الدولى هى البناء في المستوطنات، فليس ثمة موضوع آخر أدى إلي الصدامات بين إسرائيل وبين حلفائها خلال السنوات الست الأخيرة أكثر من البناء في المستوطنات، وفي ظل التهديد الفعلى بفرض العقوبات الدولية فإن مساحة المناورة لأي حكومة إسرائيلية يتم إختيارها في 17 مارس منعدمة تقريباً، وكلما إتجهت الحكومة المختارة إلي اليمين تتقلص فرص المناورة.
معظم رؤساء الأحزاب في الكنيست القادم يفهمون هذا الواقع جيداً ولا يوافقون عليه ولن يوافقوا عليه بشكل علني، فعلى سبيل المثال بنيامين نتنياهو الذي قطع الوعود في حملته الإنتخابية حول دعمه للإستيطان قام هو نفسه وفي هدوء بتجميد الإستيطان لعدد من المرات ولشهور طويله، وقد إعترض على ذلك بينيت وأوري أريئيل ولكنهم فهموا الضغوط المفروضة في الغرف المغلقة ورضخوا للأمر.
فعلى الأقل توجد خمسة أحزاب قالوها علانية أنهم يدعمون تجميد البناء في المستوطنات وفي شرق القدس بعضهم دعم ذلك بشكل كلى وآخرون بشكل جزئي، وإذا جاء نتنياهو أو هرتسوج على رأس الحكومة القادمة فإن السؤال المطروح لن يكون تجميد البناء في المستوطنات أم لا وإنما ما طول الفترة التي سيتم فيها وقف البناء وكيف سيتم ذلك.
- منع إندلاع حرب في غزة
أكثر من نصف عام مضى على إنتهاء الجرف الصامد في قطاع غزة ولم يتغير أي شيء، كل ما حدث وقف إطلاق النار، ولكن تحولت غزة إلي قنبلة معرضة للإنفجار في أي لحظة والمعدل البطيء لإعادة الإعمار، الأزمة الإقتصادية الإنسانية المتفشية في القطاع، تشديد الحصار المصري على حماس والفشل في التوصل إلي مصالحة وطنية فلسطينية، كل هذا يؤدي إلي الشعور بأن جولة العنف القادمة ليست إلا مسألة وقت فقط.
أحد المشاكل الرئيسة لرئيس الوزراء القادم ستكون منع الحرب القادمة في غزة وأن يتم إعتماد تغيير طويل المدى لما يحدث جنوباً وليس لدى نتنياهو الخطة لفعل ذلك الأمر. فقد قرر أن ينهي عملية الجرف الصامد حتى يصل إلي الوضع القائم قبل إندلاع المعركة وتمنى أن يتسبب الدمار الذي خلفه الجيش الإسرائيلي في القطاع في خلق حالة من الردع لتشتري فترة هدوء أمني طويلة نسبياً!
وبالطبع في المنظومة الإنتخابية قام رجال المعسكر الصهيوني بمهاجمة نتنياهو بسبب الضرر السياسي والأمني الذي تسبب فيه نتنياهو لإسرائيل أثناء عملية الجرف الصامد وإقترحوا أيضاً خطة عمل بديلة. حيث قال رئيس المعسكر الصهيوني هرتسوج في خطابه في لجنة ميونيخ في مطلع فبراير أنه إذا تم إختياره رئيساً لوزراء إسرائيل فإنه سيعمل سوياً مع حلفاء إسرائيل في المنطقة وفي العالم على إرساء مشروع لنزع السلاح من غزة في مقابل إعادة إعمار القطاع، وقال أنه يريد أن يمرر قراراً كهذا عبر مجلس الأمن وذلك ليؤسس لهدوء وإستقرار على الحدود مع غزة لسنوات قادمة.
وتوجد أيضاً العديد من المشكلات التي لم يتم تغطيتها هنا مثل طرح مبادرة إقليمية غير مسبوقة مع الأردن ومصر ودول الخليج تؤدي إلي طفرة في علاقات إسرائيل مع العالم العربي على خلفية الإشتراك في المصالح فيما يتعلق بالشأن الإيراني والحرب على تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” ووقف الإضرار بمركز إسرائيل في أوربا ووقف فرض المزيد من العقوبات الأوربية على إسرائيل وإعادة العلاقات لطبيعتها مع ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وكذلك وضع إستراتيجية للتقرب من جديد للطائفة اليهودية في الولايات المتحدة المحسوب معظمها على المعسكر الليبرالي الديمقراطي فى ضوء قضايا مثل الإستيطان في الأراضي المحتلة أو إنعدام التعددية الدينية في إسرائيل.
فليكن رئيس الوزراء الإسرائيلي القادم أي شخص – هل سيكون هرتسوج الذي سينفذ الثورة السياسية أم نتنياهو الذي سيبقي في السلطة، أي منهما لن يكون لديه الوقت لإختبار السياسات من جديد مثلما حدث في 2009 حيث سيجب عليه إتخاذ العديد من القرارت … فيما يتعلق بالعديد من الموضوعات وبسرعة.