زاخى شالوم

ستُحدَّد مكانة إسرائيل الدولية بعد الانتخابات، بشكل حاسم، على أساس علاقتها مع إدارة الرئيس الأمريكي “باراك أوباما”. فكما هو معروف، هناك قضيتان رئيسيتان مطروحتان على جدول الأعمال في العلاقات بين البلدين وهما النشاط النووي الإيراني وعملية السلام مع الفلسطينيين. في الفترة المقبلة ستضطر إدارة الرئيس “أوباما” إلى اتخاذ قرارات حاسمة، ذات تأثير بعيد المدى، بخصوص الملف النووي الإيراني، وهي على دراية تامة بأن الحكومة الإسرائيلية الحالية تتمسك بمواقف معارضة، بشكل كبير، لمواقف الإدارة الأمريكية. وستكون لتلك القرارات الحاسمة، التي يفترض على الإدارة أن تتخذها في الأسابيع القادمة، انعكاسات دراماتيكية على مكانة إسرائيل الدولية، وعلى عملية السلام وأيضاً على العلاقات الإسرائيلية-الأمريكية.

فمنذ عدة أشهر، تبذل إدارة الرئيس “أوباما”، مجهودات مكثفة، للتوصل إلى تسوية مع إيران حول نشاطها النووي. ظاهرياً، تُدار المفاوضات مع إيران، في هذا السياق، وبين دول 5+1. ولكن فعلياً، فإن الولايات المتحدة هي التي تقود تلك المفاوضات، انطلاقاً من الفرضية، المعقولة جدا، أنه في نهاية الأمر، ستتبني الدول المتحفظة، جهراً أو سراً، السياسة الحالية للولايات المتحدة في الملف النووي الإيراني، والمواقف التي ستتخذها.

تدرك الولايات المتحدة جيداً أن أية تسوية ستوافق إيران على التوقيع عليها مع دول الـ5+1، سيتوجب وقتها أن تعترف-تلك التسوية- بوضع إيران كدولة شبه نووية. وتعلم الولايات المتحدة جيداً، بعد سنوات عديدة قضتها في محاربة الملف النووي الإيراني، أن إيران تنظر إلى تطوير القدرة النووية على أنها مصلحة قومية عليا. وعلى حد علمنا، فأيضا دوائر المعارضة للنظام الإيراني الحالي، تعتبر شريكة في الاعتراف بشأن ضرورة الخيار النووي بالنسبة لأمن إيران. ولسنوات عدة، لم تنجح العقوبات الاقتصادية والعزلة الدولية، في أن تدفع إيران للتراجع عن تطلعها لتصبح دولة نووية. بل نجحت فقط في أن تأتي بها إلى طاولة المفاوضات.

من الواضح الآن -حيث يوجد تفاوض دبلوماسي مطروح على جدول الأعمال، وبعدما قطعت إيران شوطاً طويلاً في طريقها إلى صناعة “القنبلة النووية”- أن استعدادها للتراجع عن مشروعها النووي قد قلّ بدرجة كبيرة. وستُفَضِّل إيران، على ما يبدو، عدم وجود اتفاقية واستمرار الوضع الراهن كما هو عليه عن توقيع اتفاقية تلزمها بالتراجع عن برنامجها النووي.

كان موقف رئيس الوزراء، حتى الآن، هو أن إيران ستكون على استعداد للتراجع عن تطوير قدرتها النووية فقط حينما تستشعر بأنها ستواجه خطراً حقيقياً ملموساً يتمثل في توجيه الولايات المتحدة ضربة عسكرية لها. وبالتالي، فإنه يتصور أنه إذا كانت الولايات المتحدة راغبة في نجاح المفاوضات الدبلوماسية فإنه يتعين عليها أن يصاحب تلك المفاوضات ردع عسكري قوي. بمعنى، أنه يجب أن يكون واضحاً للإيرانيين أن المفاوضات ليست غير محددة بوقت، وإنه إذا لم تستجب إيران لمطالب الولايات المتحدة، فإنها يجب أن تفترض أنها ستتلقى ضربة عسكرية مؤلمة ضدها. وقد زعم “نتنياهو”، أن بتلك الطريقة فقط، ستكون إيران مستعدة لقبول التنازلات المطلوبة بخصوص نشاطها النووي. إلا أن إدارة “أوباما” قد رفضت أن تتبني تلك النظرية. على العكس، بل خرجت عن المألوف حتى تضفي على المفاوضات مع إيران طابع الحوار الودي، بل حوار ودي، بين البلدين. من البديهي أن هذا الواقع لن يخلق لإيران الحافز المطلوب للتنازلات في مشروعها النووي.

ستعبّر نية الولايات المتحدة الأمريكية في التوصل إلى تسوية مع إيران، فعلياً، عن تغيير شامل في سياستها تجاه إيران. وعلى مدى سنوات، قامت سياسة الولايات المتحدة الأمريكية على فرضية أنها لن تتيح لإيران أن تكون دولة نووية. وقد عبّر الرئيس عن ذلك بشكل متكرر، بتأكيده أن الولايات المتحدة تنتهج، أمام إيران، سياسة “منع prevention” وليس “احتواء containment”. فقد أكد الرئيس الأمريكي أن الولايات المتحدة مستعدة لأن تمنح فرصة للمسار الدبلوماسي في بلوغ ذلك الهدف. وفي حالة فشل ذلك فإن “كافة الخيارات مطروحة”.

الآن أيضاً تزعم الإدارة الأمريكية، بشكل رسمي، أن هدفها هو الحيلولة دون وصول إيران إلى قدرة نووية وأن جهودها موجهة في اتجاه دفع إيران لتطوير قدرات نووية لأغراض سلمية فقط. لكن ذلك الزعم غير مقنع بالنسبة للكثيرين إزاء حقيقة أنه في إطار أية اتفاقية ستظل إيران تحتفظ بالمنظومة النووية القائمة على حالها، وفي أية اتفاقية سيُسمح لإيران بتخصيب اليورانيوم بقدر ما. صحيح أن الاتفاقية ينبغي أن تضم شبكة واسعة ومحكمة من الرقابة الدولية على تنفيذ الاتفاقية. ولكن تجدر الإشارة بأن تلك المراقبة مرهونة في نهاية الأمر بنية إيران الحسنة. ويمكنها أن تحجم أو تسحب قدرة المراقبين على العمل إذا أرادت. وفي نهاية الأمر، سينجح المراقبون أيضا في “اكتشاف” الخروقات الإيرانية، من الواضح أن عملية الاستقصاء، في حالة وجود خرق من عدمه، ستستغرق فترة طويلة، وستلزِم التفاوض مع الإيرانيين، بعد ذلك سيتم التوجه إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لإقناعها أنه كان هناك خرق فعلا، ومن ثم التوجه إلى مجلس الأمن للتصديق على الخرق والتوصية على خطوات للرد عليه. تلك العملية ستستغرق فترة طويلة. ومن الصعب على الإيرانيين المدركين جيداً لحدود قوتهم ألا يقوموا بخروقات كبيرة تتطلب رد فعل واضح وفوري.

يأخذ الرئيس في الحسبان، أثناء خطواته المسرعة تجاه توقيع اتفاقية، ليس المساس بمصداقيته الشخصية ومصداقية الولايات المتحدة فحسب، لكن أيضاً الحلفاء التاريخيين للولايات المتحدة، ومن ضمنهم إسرائيل، والمملكة العربية السعودية، ودول الخليج ومصر، والذين عبّروا، علانية، عن قلقهم الشديد من الاتفاقية الآخذة في التبلور مع إيران. وتُدرك الإدارة الأمريكية جيداً أن الاتفاقية تتعامل فقط مع النشاط النووي الإيراني وتتجاهل تماماً الجوانب العدوانية الأخرى في السياسة الإيرانية. إن دعم عناصر الإرهاب المنتشرة في العالم، والنشاط التآمري المكثف في أنحاء الشرق الأوسط، وإقامة ترسانة صواريخ بعيدة المدى (بإمكانها أن تشكل تهديداً على الولايات المتحدة في المستقبل) بالإضافة إلى منظومة تحريض وتشدد ديني.

ولكن أساس صراع الرئيس الأمريكي في قضية الاتفاقية سيكون ضد الكونجرس. الصراع المحتدم في الأشهر الأخيرة بين الكونجرس والرئيس الأمريكي حول القضية الإيرانية، قد تجاوز القضية الإيرانية منذ فترة، وتحول لمواجهة جوهرية ومصيرية بين قطبي السلطة في الإدارة الأمريكية حول مسألة الصلاحيات في مجال السياسة الخارجية. وفي 20 مارس 2015، تقدم 367 عضو من أعضاء الكونجرس بطلب إلى الرئيس، على أن يعرض أية اتفاقية مع إيران على الكونجرس للدراسة قبل التوقيع عليها. تضمن الخطاب تهديداً صريحاً من قبل أعضاء الكونجرس مفاده أنه في حالة عدم قيام الرئيس بذلك، فإن الكونجرس لن يستطع أن يلبي طلبه، الذي سيكون جزء من الاتفاقية بشكل شبه مؤكد، بأن يتم تخفيف العقوبات على إيران. وسيستعصي على الرئيس أن يتجاهل ذلك التوجه وتوجهات أخرى عدة تصل إليه في هذا الصدد.

على الرغم من الانطباع الذي تكّون لدينا، فإن حرية العمل ومساحة المناورة المتاحة أمام الرئيس “أوباما” في مساره لتحقيق تسوية مع إيران بخصوص نشاطها النووي آخذه في الانحسار فالحرب الدائرة حالياً في اليمن بين الدول العربية المعتدلة، وفى مقدمتها السعودية ومصر، وبين الحوثيين المدعومين من جانب إيران، والانتقادات اللاذعة التي يوجهها الإعلام الأمريكي تجاه الرئيس “أوباما” حول سياسته تجاه إيران، وتهديد أعضاء الكونجرس بعدم التصديق على تقليص العقوبات. تلك العوامل وغيرها تضع عوائق كبيرة جداً أمام الرئيس في تحقيق تسوية حقيقية ودائمة مع إيران حول نشاطها النووي.

المحادثات النووية: وزراء خارجية الولايات المتحدة، وإيران والاتحاد الأوروبي

إذا نجحت، على الرغم من ذلك، إدارة الرئيس “أوباما” في التوصل إلى تسوية مع إيران حول قضية نشاطها النووي، وإذا نجح في تحويلها إلى تسوية حقيقية ونافذة رغم معارضة الكونجرس، فإن ذلك سيمثل انتصاراً سياسياً شخصياً كبيراً بالنسبة له. وسيكون لذلك انعكاسات بعيدة المدى على مكانة إسرائيل الدولية في الساحة الدولية من عدة جوانب. تسوية مماثلة، ستغل يد إسرائيل وستقلص قدرتها، بشكل كبير، في التهديد باللجوء للحل العسكري ضد إيران. من الصعب الافتراض أن أي قائد إسرائيلي، أياً كان، سيجرؤ على أن ينفذ، أو حتى أن يهدد بتنفيذ، عملية عسكرية ضد الدولة الموقعة على اتفاقية سياسية تؤيدها الأغلبية الساحقة من المجتمع الدولي. حتى إذا اتضح أن إيران تخرق الاتفاقية، فإن قضية الرد على ذلك ستكون من قبل مجموعة الدول الـ 5+1 وليس إسرائيل.

ستعزز الاتفاقية، أيضاً، مكانة الرئيس “أوباما” الشخصية والدولية، بشكل ملحوظ. وبالتوازى مع  ذلك ستعبّر الاتفاقية عن ضعف شديد في مكانة رئيس الوزراء “نتنياهو”، الذي وضع قضية إيران والنضال ضد تحوّلها لدولة نووية على رأس جدول أعماله. ذلك التغير الجوهري في علاقات القوى من شأنه أن يؤدي إلى اقتناع الرئيس “أوباما” أنه يجدر به أن يستغل الوقت المتبقي له، إلى جانب تعزيز مكانته، في ضرورة تحقيق انطلاقة جوهرية في السياق الإسرائيلي-الفلسطيني. من المعروف أن إدارة “أوباما” تتمتع، في تلك القضية، بتأييد جارف في الساحة الدولية وبشكل كبير في الكونجرس أيضاً ووسط قطاعات كبيرة من الجمهور الإسرائيلي. وإذا نجح فعلاً الرئيس “أوباما” في التوصل إلى تسوية مع إيران في قضية نشاطها النووي، يمكنه الزعم أنه نجح في إزالة تهديد وجود حقيقي على إسرائيل. بالتالي، تستطيع إسرائيل الآن، خلافاً لما مضى، أن تعرّض نفسها لمخاطر جوهرية فيما يخص عملية السلام. وسيطلب الرئيس “أوباما”، بشكل شبه مؤكد، استغلال التعاون الناجح الذي تم بلوغه في ملف إيران بين مجموعة دول 5+1 وتعبئتهم للدفع قدماً بتسوية إسرائيلية- فلسطينية، تدرك إسرائيل خطوطها العريضة جيداً.