عقيڤا بيجمان

تقرير حول النفوذ الكبير للمحامين العرب فى نقابة المحامين فى إسرائيل ودورهم فى تعيين قضاة المحكمة العليا ومن ثم الحصول على حقوق الجمهور العربى عن طريق القضاء

عشرات المحامين العرب الذين اجتمعوا في فندق ” امباسادور” في حي الشيخ جراح في القدس الشرقية الأسبوع الماضي كانوا على علم بسبب قدومهم. كان عنوان الاجتماع يشير حتماً إلى صفقة تيسيرات لأحد البنوك، لكن حضور المحامي “إفي ناڤيه” في الاجتماع -المرشح لرئاسة نقابة المحامين الذي جاء خصيصاً من تل أبيب- يشير إلى أن المشاركين تعاملوا في الواقع مع صفقة من نوع آخر للغاية. وبالفعل، وبشكل مفاجئ، الإعلان عن المقابلة تم مسحها من حساب الفيس بوك الخاص بمساعدة “ناڤيه”، بعد دقائق معدودة من بدء تنبيه المعلقين لذلك.

العلاقة بين المحامين العرب وبين الشعبة اليسارية المتطرفة في نقابة المحامين هو سر مكشوف. تساعد النقابة -التي تسيطر عليها على مدار سنوات عدة، هيمنة من نشطاء حقوق الإنسان ومقربين من الصندوق الجديد لإسرائيل- بشتى الطرق، الدفع بشؤون الأقلية العربية في إسرائيل، وهؤلاء يردون جميل المحسنين إليهم في صناديق الإقتراع.

في نقابة المحامين، الصوت العربي ذو أهمية كبرى. حيث أنه مُسجل فيها نحو 9.940 محام عربي، من بين 58.000 عضو. وبحسب التقديرات في النقابة، فإن نسب التصويت بين المحامين العرب مرتفعة للغاية – حيث تصل إلى أكثر من 50% على الصعيد المحلي. وفي بعض الدوائر الإنتخابية – مثل القدس على سبيل المثال – نتحدث حتى عن أكثر من 70% – 80% من نسب التصويت. ولكن في الوقت الذي يدرك فيه المحامون العرب أهمية التصويت وينظمون أنفسهم على التوالي، نجد أنه في باقي القطاعات هناك حالة من اللامبالاة يمكن الشعور بها فى هذا الصدد، ولا تتعدى نسبة التصويت العامة للنقابة الـ25%. ولهذا السبب، نفوذ العرب النسبي في النقابة كبير للغاية: من بين 14.551 صوت تم إحصائهم في المرة السابقة، كان بينهم 5.000 محام عربي، أو إن شئتم يمكنكم أن تقولوا 30% من مجموع الناخبين. وفي المقاعد 9 من بين 43 عضو مجلس النقابة المنتخبين جاءوا من القوائم العربية.

في الخمسة عشر سنة الأخيرة سيطر أنصار الفعالية القضائية وسيادة حقوق الإنسان على النقابة بلا منازع: فبين السنوات 2011-1999 ترأس النقابة كل من “د. شلومو كوهين”، عضو المجلس الدولي للصندوق الجديد لإسرائيل، و”يوري جاي رون”، ناشط سابق في جمعية حقوق المواطن. كذلك في فترة الحكم الأخيرة حافظ المتطرفون على سيطرتهم بأسلوب مبتكر للغاية: فرغم أنه في انتخابات رئاسة النقابة فاز المحامي “دورون برازيلي”، الذي يعتبر غريماً للهينمة المسيطرة على النقابة، إلا أن اليساريين قد بادروا بالإنشقاق عن النقابة وأقاموا نقابة بديلة، والتي خلت تماماً من صلاحيات رئيس النقابة الذي انتخبه المحامون.

معادين للصهيونية في لجنة انتخاب القضاة

إن سيطرة اليسار المتطرف على أجهزة النقابة بات جلياً على مرأى من الجميع في ديسمبر الأخير، عندما انتخب مجلس النقابة المحامين “خالد حسني زوعبي” و”إيلانا سيكير” كممثلين لها في لجنة انتخاب القضاة. ممثلي المحامين ينضمون عموماً إلى الثلاثة قضاة، القضاة الأعضاء في اللجنة، ويخلقون “كتلة مانعة” من خمسة أعضاء، من إجمالي تسعة أعضاء، القائمين في الواقع على تعيين القضاة في إسرائيل. هذا هو السبب في أن اليسار والعرب حسّاسون بشدة حيال التغييرات في تشكيل اللجنة: الأغلبية في لجنة انتخاب القضاة هي حجر الأساس الذي يستند إليه مقبض اليسار المتطرف في المنظومة القضائية.

وقد أوضح عضو لجنة انتخاب القضاة “خالد حسني زوعبي” في حوار مع موقع “ميدا” أن “المنظومة القضائية هي المؤسسة الرسمية التي تنال أكبر قدر من ثقة الجمهور العربي، وهذا ليس عبثاً. إن المنظومة القضائية هي المؤسسة الوحيدة التي تدفع بحقوق الأقلية العربية في إسرائيل. وبالتالي، محاولات التغيير في تشكيل اللجنة أمر خطير في نظره “أن تعطي نفوذاً كبيراً للسياسيين على لجنة انتخاب القضاة هذا في رأيي لا يعتبر فكرة سديدة. واعتقد أن علينا أن نحافظ على الصورة التقليدية للمحكمة”.

“زوعبي” محامٍ مخضرم وأنيق، وسلس الحديث. فحينما سُئل عن نسبته للدولة، فضّل أن يتهرب بحكمة. “أتحسب نفسك إسرائيلياً؟” طرحت عليه هذا السؤال. فرد عليّ قائلاً: “أحسب نفسي عربي مواطن لدولة إسرائيل”.

هل أنت صهيوني؟

“بالطبع لا. لماذا أكون صهيونيا؟ كيف لعربي أن يكون صهيونيا؟ حتى اليهود ليسوا جميعهاً صهاينة. وأنا لا أعرف ما معنى صهيوني. فلتشرح لي ما معنى أن تكون صهيونياً اليوم، وليس في الفترة ما قبل 1948.

هناك جدل مثار حول طابع الدولة وحول المواطنين العرب فيها. هل تؤيد مثلاً منح حقوق جماعية للأقلية؟ أو استقلالية ثقافية؟.

“كلا. لا أؤيد الاستقلالية. ولكنني، أؤيد نعم، الحقوق الجماعية. حقوق للأقلية نعم. ليس ضرورياً إن نصل إلى مرحلة الاستقلال”.

هذه هي النقطة الرئيسية: فلنفرق بين حقوق الفرد وبين الحقوق الجماعية، فالجدل المثار حول الحقوق الجماعية للأقلية هو في الحقيقة جدل أساسي يدور حول مستقبل وطابع الدولة. ففي وثائق الرؤية المستقبلية للعرب الفلسطينيين في إسرائيل، التي نشرتها جمعيات ومنظمات عربية في عام 2007، ذُكر أنهم “يطالبون بشراكة تامة في كافة الموارد العامة في الدولة: السياسية والمادية والمعنوية”، بما في ذلك اعتراف رسمي “بتفردهم القومي، والديني، والثقافي، واللغوي، وكونهم سكان الأرض الأصليين” “وضمان ثنائي اللغة جوهري في إسرائيل”؛ و”ضمان تمثيل ونفوذ سياسي على أساس قومي للعرب الفلسطينيين في مراكز اتخاذ القرارات” بما في ذلك امتلاك حق الڤيتو في مواضيع محددة؛ وإدارة ذاتية على المجالات الدينية، والتعليمية والثقافية؛ وتغيير رموز الدولة؛ وإقامة علاقات مع “باقي طوائف الشعب العربي الفلسطيني، ومع كافة الشعوب العربية”؛ وبالطبع – “اعتراف رسمي بالظلم التاريخي الذي مورس ضد العرب الفلسطينيين في إسرائيل وللشعب الفلسطيني عامة”.

كل ذلك، يسعى حكام الجمهور العربي إلى تحقيقه خصوصاً عن طريق المنظومة القضائية، وتحديداً بتقديم الدعاوي إلى محكمة العدل العليا. وفي هذا النضال، هوية القضاة في محكمة العدل العليا وفي باقِ الجهات القضائية من الممكن أن تكون حاسمة. “زوعبي” يُدرك ذلك جيداً، كما أوضح في لقاء صحفي أجراه معه موقع “صوت إسرائيل بالعربية” قبيل انتخابه للجنة في وقت سابق حيث قال “سأعمل على تعيين عدد كبير من القضاة العرب في مختلف المحاكم”.

حينما سألت “زوعبي” عن ما يقصده بـ”حقوق جماعية” بدا متردداً. بعد صمت دام لثوان طوال أجاب: “عليّ أن أفكر في الأمر لذا أمهِلني بعض الوقت”.

حتى الممثلة الثانية في لجنة انتخاب القضاة، المحامية “إيلانا سيكر”، تدعم صراحة الفعالية القضائية: فقد أوضحت “إيلانا” في حديث صحفي أجرته مع صحيفة “جلوبس”، قائلة: “إنني أرى في المحكمة أحد الرواد الأساسيين للتغييرات الإجتماعية، وأتحدث هنا فقط عن المحكمة العليا”. وبالنسبة لمكانة محكمة العدل العليا، زعمت “سيكر” أنها تتواجد في مكان ما في المنتصف”. فمن جانب، ترى أن المحكمة العليا ليس من الضروري أن تغير قوانين قد سنها الكنيست، ولكن من جانب آخر، “هناك حالات يجب أن تكون فيها هذه القوانين باطلة”، وقد ضربت أمثلة على ذلك قائلة: “أكنّ تقديراً كبيراً للمحكمة العليا لإصدارها قراراً يقضي مرتان بأن قانون منع التسلل ليس دستوري”.

هكذا ينضم عرب متعصبي القومية إلى معسكر المقربين من الصندوق الجديد لإسرائيل، ويشكلون هيمنة تسيطر على المنظومة القضائية. كل هذا يتم تحت رعاية غير مكترثة من الأغلبية الصامتة من المحامين، الذين يتعاملون مع الانتخابات في النقابة على أنها مصدر إزعاج و”حماقة سياسيين”.

نقابة المحامين ضد دولة إسرائيل

إن تعيين القضاة ربما هو الموضوع الأكثر استراتيجية الذي تتعامل معه النقابة، لكن تأثيرها على تشكيل السياسات لا يقتصر فقط على ذلك. ففي السنة الماضية، على سبيل المثال، نشرت النقابة تقريراً خاصاً عن وضع احتجاز المتسللين في سجن “سهرونيم”. التقرير الذي عرض استنتاجات قاسية، نُشر بشكل غريب بعد مضي نحو أسبوع من قيام جميعة حقوق المواطن برفع التماس ضد القانون. وقف التحقيق الذي أجراه الصحفي “عيدي بن حور” في هذا الموضوع ونُشر على موقع “ميدا”، وقف على مشكلات أخرى في التقرير، الذي منح نشره في التوقيت الصحيح دعماً إعلامياً كبير للإلتماس ضد القانون.

لكن من أدى إلى أقصى استغلال لنقابة المحامين لأهداف سياسية كان كل من “شلومو كوهين”، رئيس النقابة في السنوات 1999 – 2007، وصديقه المحامي “يوسي أرنون”، الممثل بشكل دائم للسلطة الفلسطينية في المحاكم الإسرائيلية، الذي كان حتى الأيام الأخيرة عضواً في المجلس المحلي للنقابة.

وعلى مدار سنوات استغل الإثنان نقابة المحامين لإبداء دعم مواقف الفلسطينيين ومنظمة التحرير الفلسطينية، خاصة في فترة الانتفاضة الثانية وإبان عملية “الدرع الواقي”. كانت إحدى أبرز الحالات هي بيان نشرته النقابة للصحافة في أكتوبر2001، حيث خرجت ضد سياسات عمليات التصفيات المستهدفة. حيث جاء فيها “سياسات التصفيات المستهدفة – غير شرعية؛ التصفيات – جريمة حرب فادحة”. أعلنت النقابة أنها تعارض “سياسات التصفيات التي تتبع تنفيذ الإعدام من دون محاكمة”.

أوضح المحامي “يوسي أرنون”، قائلاً: ” تطفو على سياسة التصفيات راية سوداء من عدم الشرعية … على الجنود … أن يرفضوا تنفيذ عمليات تتخللها جرائم حرب”. تجدر الإشارة إلى أنه في تلك الأيام كانت منظمات حقوق الإنسان التي على علاقة مقربة بالصندوق الجديد لإسرائيل، تدير حملة عامة ضد التصفيات المستهدفة، التي وصلت ذروتها إلى تقديم التماس لمحكمة العدل العليا بعدها بعام. وقد انخرط “شلومو كوهين”، الذي هو أحد مقربي الصندوق بنفسه، في هذا النضال بشكل كامل.

وفي مناسبة أخرى، حاول “شلومو كوهين” أن يتزعم قرار يقضي بأن تعترف نقابة المحامين في إسرائيل بصلاحيات المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، وترسل إلى هناك البروفيسور “كانات مان” كممثل لها، وهو ناشط حقوق إنسان شهير (جمعية حقوق المواطن، “هاجيشا”، ومنظمات المتسللين) ومؤسس الدفاع العام. كل هذا لا يتماشى مع موقف إسرائيل والولايات المتحدة الرسمي، الذي لا يعترف بصلاحيات المحكمة في لاهاي، التي قامت من أجل النظر في جرائم الحرب.

بادر “شلومو كوهين” أيضاً بإجراء أدى إلى توسيع النفوذ النسبي للعرب في مجلس نقابة المحامين. يمتلك مجلس النقابة نفوذ كبير: فالمجلس هو القائم على تعيين الأعضاء للجنة انتخاب القضاة، وممثلين للجنة انتخاب المستشار القانوني للحكومة ويقتسم ميزانية تتبلغ 70 مليون شيكل. وبالتالي، من يسيطر على المجلس، يسيطر في الواقع على النقابة. يتألف مجلس نقابة المحامين من 48 عضو، يتم انتخاب 28 عضو منهم في انتخابات مباشرة في قائمة وطنية.

كما أن هناك 15 عضو هم ممثلي الدوائر – 3 من كل دائرة. ونتيجة لذلك، يصبح نفوذ الدوائر في النقابة كبيراً نسبياً. ودائرة صغيرة مثل الدائرة الجنوبية، التي تحوي نحو 3.000 محام، تحظى بمفوضية تضاهي نظيرتها الخاصة بمفوضية تل أبيب حيث أنه مُسجل فيها نحو 38.000 محام. إذاً ماذا يفعلون كي يوسعوا من نفوذ العرب (وعن طريقهم يوسعوا نفوذ اليسار؟) ببساطة شديدة – يقيمون دائرة جديدة، دائرة يكون فيها العرب أغلبية.

وعليه، فقبل نحو عشر سنوات، ظهرت على الساحة دائرة شمالية لنقابة المحامين، تحوي اليوم نحو 2.600 محام، أغلبيتهم الساحقة من العرب. ومنذ إنشائها يترأسها “خالد حسني زوعبي”، الذي كما ذكرنا انتخب كممثل لنقابة المحامين في لجنة انتخاب القضاة. عملية إجرائية بسيطة نجحت في زيادة نفوذ العرب النسبي بشكل كبير.

محامي عرفات

كان شريك “كوهين”، “يوسي أرنون” الذي ترأس لجنة سيادة القانون وحقوق المواطن للنقابة في تلك الأيام، أكثر تطرفاً. انكشف الكثير من أفعال “أرنون” خلال الحكم المثير الذي يتعلق بدعوى السب والقذف التي قدمها “أرنون” ضد المحامي “يرئون بستينجر”، حيث وصفه بـ”المعاد للصهيونية”.

أكد “أرنون” على سبيل المثال أن اللجنة برئاسته وافقت على عدد من القرارات المتطرفة مسار الخلاف لصالح عرب إسرائيل والفلسطينيين: مثل “الدعوة لإنشاء لجنة تحقيق حكومية بشأن قتل 13 مواطن في المظاهرات الأخيرة، والإهتمام بالمحاكم في الأراضي المحتلة، والإهتمام بموضوعات التعذيب أثناء التحقيق وغيرها”. كما أكد “أرنون” أثناء التحقيق معه أنه دعا جنود الجيش الإسرائيلي ألا ينفذوا الأوامر التي تمثل جرائم حرب، وأن يرفضوا “الاغتيال من خلال التصفية المستهدفة، ولابد من الرفض لأن هذا غير قانوني بكل تأكيد”.

كان هناك موضوع آخر مطروحاً على جدول الأعمال في تلك الأيام وهو مطالبة جهات في بلجيكا بمحاكمة رئيس الوزراء “أريل شارون” بارتكابه جرائم الحرب. حاول “أرنون” أن يتزعم هذا القرار في مجلس النقابة الذي ينادي بالسماح للسلطات البلجيكية بأن تجري تحقيقاً في هذا الصدد، على الرغم من أنه ليس لديهم صلاحيات قانونية لهذا الإجراء. “هيا لنسمح للبلجيكيين بأن يدرسوا هذا الأمر بشكل موضوعى”. أشار القاضي إلى أنه بعد تحقيق طويل “مررنا بطريق ملئ بالعوائق، ومجموعة كبيرة من الأسئلة، حتى اتضح في نهاية الأمر أنه وفقاً لرؤية المحامي “أرنون” ارتكب “أريئيل شارون” بالفعل جرائم حرب”.

بوجه عام، لم يكن “أرنون” راضياً عن الصهيونية: قانون العودة، بالنسبة له “قانون عنصري يفرق بين الجنس والآخر”، وهو يرى أن حق العودة الفلسطينية أمر شرعي.

قصد “أرنون” ذلك بشكل عملي للغاية: في إحدى الحالات تم بحث طلب محام فلسطيني للانتقال إلى القدس الشرقية والحصول على تصريح لممارسة المحاماة في اسرائيل. عندما نوقش الطلب في النقابة، دعمه “أرنون” وزعم أنه يجب اعتباره “مهاجر جديد” من رام الله: وفسر ذلك “لا أعرف لماذا تتم التفرقه بينه وبين المهاجر من روسيا”.

في حالة أخرى، قررت النقابة بمبادرة “أرنون” أن توقف دعم منظمة رجال القضاء اليهود العالمية. وبرّرت ذلك بأنه “ليس هناك سبب، لأن تمول نقابة المحامين التي يشترك بها 3000 محامي عربي رجال قضاء يهود وليس عرب”.

 

لكن بالنسبة لـ”أرنون” المصلحة الفلسطينية ليست فقط موضوع متمسك به فكرياً – يدور الحديث هنا عن مسيرة مهنية حقيقية. نُشر في عام 2003 أن المحاميْن “أسامة سعدي” و “جواد بولس” سيمثلان السلطة الفلسطينية في المحاكم. وبحسب التقرير، سيكون “بولس” و”سعدي” حلقة الوصل بين السلطة وبين المكتب الذي سيقع الإختيار عليه، وسيبلغون بشكل متواصل المسئولين المخولين في السلطة.

اختار الاثنان مكتب “يوسي أرنون”، الذي أصبح في السنوات الماضية الممثل الرئيسي للسلطة في الدعوات الخاصة بمتضرري الأعمال الإرهابية، والتي تصل إلى مليارات الشواكل. وعندما سُئل لماذا وقع عليه الإختيار من قبل السلطة، أجاب “أرنون”: “نحن أحد المكاتب المعروفة في إسرائيل في مسألة التعويضات. صحيح أن آرائى معروفة، على الرغم من ذلك لم يكن هذا الإعتبار الرئيسي لهم” (زمن تل أبيب 4-4-2003). وبحسب التقديرات، دفعت السلطة الفلسطينية لـ”أرنون” ملايين الشواكل في السنوات الماضية مقابل التمثيل القانوني.

الناخب العربي

لا غرابة إذن، أنه في سياسات نقابة المحامين أيضاً يعد “أرنون” “وسيط” يربط بين المرشحين من اليسار الإسرائيلي وبين المحامين العرب. يبرز الأمر بشكل خاص في لواء القدس، الذي يشترك به “أرنون” و”جواد بولس” أيضاً، كلا ممثلي السلطة الفلسطينية.

في السنوات الماضية انتُخب المحامي “أشير اكسلارد” لرئاسة مجلس دائرة القدس التابع للنقابة، عن طريق دمج أصوات 400 محامي عربي مع مجموعة أخرى من المحامين “الحريديم” وآخرين. وفقاً لشهادات تحصّل عليها موقع “ميدا” في الإنتخابات السابقة، وصل العرب بحافلات منظمة إلى صناديق الاقتراع وصوتوا على قلب رجل واحد لصالح “اكسلارد”. 400 ليس بالرقم الكبير، لكن بالأخذ في الإعتبار أن “اكسلارد” نال إجمالي أصوات 1.194 فإن هذا الرقم لا بأس به بالتأكيد.

عندما سُئل عن سبب ذلك، حرص “اكسلارد” على أن يحافظ على رد موضوعي: يقول “إنني أتجنب أن أخلط بين السياسة وعملي في النقابة، فالعرب يصوتون لي، مع محامين آخرين، لأنهم يعتقدون أنني أكثر شخص مناسب للوظيفة”. ومع ذلك، فالتصريحات المتطرفة لعضو لجنة انتخاب القضاة “زعبي” غير مقبولة بالنسبة له: “إن هذه الأقاويل تزعجني ولا أحد يتوقع مني أن أنحاز لهذه الأفكار، بما في ذلك من ناخبيَ من العرب في الدائرة”.

لكن السياسة ينحيها جانباً، وهناك ثمن لعلاقات “اكسلارد” مع اليسار والعرب. على الرغم من أن “أرنون” لم يظهر في قائمة “اكسلارد” في الإنتخابات السابقة، إلا أنه كان أحد ممثلي الدائرة في المجلس المحلي. يمنح نشاط “أرنون” في النقابة نفوذاً كبيراً له، حتى شهد له المحامون الذين يعرفونه من خلال المحاكم بأنه اعتاد أن يقول أمامهم كثيراً ليس لديكم فرصة أمامي: “لقد قمت بتعيين 70% من القضاة هنا”.

في الحقيقة، إن العلاقة مع “أرنون” مهمة للغاية بالنسبة لـ”اكسلارد” حتى بعد أن عُلم أن “أرنون” قد أصبح سقيما، قررت لجنة دائرة القدس أن تعين ابنه “يوناثان” خليفة له كممثل الدائرة في المجلس الإقليمي قال حينها “اكسلارد” “الرجل قد أصيب بالمرض، فلنحترم طلبه”، كما لوكنا بصدد حالة إقطاعية وليس مؤسسة عامة ديموقراطية. يوضح اليوم قائلا: “نتحدث عموماً عن جلسة واحدة فقط”، على أي حال بعد الإنتخابات سيتغير كل شئ”.

وتستمر العلاقات: “يانون هيمان”، المرشح حالياً لرئاسة دائرة تل أبيب (ويعد مرشح مستقبلي لرئاسة النقابة) كان في الماضي أجير في مكتب “يوسي أرنون”، وكذلك “أركدي ألجوشويلي”، وكذلك رقم 6 في قائمة “اكسلارد” في القدس، ومكتب “يوسي أرنون” في تل أبيب يقع داخل مكتب “يوري جي رون”، رئيس النقابة السابق، وهو بدوره يمتلك مكتباً في حيفا عند المحامي “حالي بن آري”، ناشطة حقوقية معروفة، والتي كانت  تشغل وظيفة عضوة في لجنة انتخاب القضاة حتى وقت قريب.

هكذا ينمي “يوسي أرنون” و”شلومو كوهين” جيل قادم من المحامين المتطرفين، الذي سينجحون بمساعدة الناخب العربي في استمرارهم في الحفاظ على سيطرتهم. كل هذا تحت رعاية اللامبالاة العامة للمحامين، الذين لا يستغلون حقهم الديموقراطي في التأثير بسهولة على المواقع الرئيسية في المنظومة.

 

 

 

أي صوت يحسم الأمر

قصة كتلة “ماحتس” في الإنتخابات السابقة هي بلا شك واحدة من أشد الدروس في الديموقراطية وببالغ فعالية مبدأ “شخص واحد – صوت واحد”. توقف الانتخابات في عام 2011، وميزان القوى في المجلس الوطني للنقابة قد مال بأغلبية ضئيلة لصالح معسكر “جاي رون”، ما جعل “جاي رون” يسيطر على المجلس. هذا، على الرغم من أن غريمه “دورون برازيلي” فاز برئاسة المكتب.

حتى الآن الأمور واضحة ومعروفة. أما الأمر الذى لا يُعرف كثيراً هو أن ميزان القوى هذا قد نشأ على هامش صوت واحد فقط، في كتلة “ماحتس” الصغيرة التي كانت عضو حينئذ في معسكر “جاي رون”. في انتخابات المجلس حازت الكتلة إجمالي أصوات وصل إلى 389 صوت – الأصوات التي كانت مطلوبة بالتحديد لاجتياز نسبة الحسم. فلولا هذا الصوت، لما انضمت كتلة “ماحتس”، ولما كان ميزان القوى في النقابة أصبح مغايراً. في ظل وضع مماثل، قد تبدو قرارات المجلس مختلفة. ربما لكن تجنبنا مسألة الانشقاق في النقابة، ومن يعلم – لربما كان يرأس لجنة انتخاب القضاة محام أقل فعالية، لا تصم لفظة “صهيونية” أذناه.

تصريح المحامي أفي ناڤيه:

“نقابة المحامين هي في المقام الأول نقابة مهنية والتي من المفترض أن تكون قائمة على التعاطي مع القضايا الجوهرية المتعلقة بشرف المهنة، وتدريب المحامين، وقضايا أتعاب المحاماة، والوضع الاجتماعي للمحامين، والعلاقة مع السلطة القضائية… إلخ. في نظري نقابة المحامين ليس لزاماً عليها أن تشارك أو تدخل في الملعب السياسي وأي انشغال من هذا النوع ستكون نتائجه هى الضرر المباشر بنقابتنا المهنية.

إن أية محاولة لجر الحوار السياسي في الدولة لداخل نقابة المحامين هي محاولة مرفوضة وليست في محلها. وفي صلب الموضوع يمكنني أن أشهد من خلال معرفة شخصية بالمحامي “زوعبي” أنه في السنوات الأربع الأخيرة كان بمثابة واحد من ممثلي النقابة في لجنة تعيين القضاة، أنه عمل باتقان وبلا أي اعتبار سياسي مثلما حدثت محاولة لنسب اعتبارات سياسية له في القضايا التي وُجهت حياله. تجدر الإشارة إلى أن المحامي “زوعبي” قد دعم على سبيل المثال تعيين حضرة القاضي “نوعام سولبيرج” قاض للمحكمة العليا وقضاة مبجلين آخرين وكل ذلك من خلال اعتبارات موضوعية ومهنية، لذا ليس ثمة شك في جدارته بالمنصب.

إن محاولة إثارة هياج سياسي داخل نقابة المحامين وصبغ الانتخابات المقبلة بصبغة سياسية مثلما يتضح من التقرير، محاولة مرفوضة من أساسها ولا مكان لها، وعلى أي حال، ستتسبب في ضرر للنقابة المهنية. يجدر لكل المهيجين للرأي العام أن يدركوا بأن نقابة المحامين نقابة مهنية ولا يوجد أي مجال لجرّها إلى الحوار السياسي العام والتناحرات بين اليمين واليسار وبين المتدينين والعرب. إن النقابة تنتمي للمحامين من دون تمييز بين دين أو قومية، ويجب الحرص على أن تتعامل فقط مع الموضوعات التي أقيمت من أجلها وألا تنساق إلى دوائر ليست من اختصاصها”.