في يوم 16 يوليو، تطرقت هنا بشكل مختصر الي السرعة الاستثنائية التي اجتمع بها مجلس الوزراء السياسي الأمني المصغر في جلسة عاجلة حول سياسة اسرائيل فيما يتعلق بالإتفاق النووي بين الدول الكبري وايران. خلال بضعة ساعات، وعلي الفور بعد مراسم التوقيع في فيينا، نجح الوزراء في استيعاب مئات البنود في الإتفاقية، ومناقشة تفاصيلها، وبلورة موقف ضد الإتفاقية وقرر أن اسرائيل “غير ملتزمة” بها. لم يطلب أيّ من الوزراء مهلة لقراءة الإتفاق بتعمق، أو التشاور مع خبراء يعتقدون أن الإتفاق ليس سيئاً الي هذا الحد. كما قالت هنا “مازال موعلام”، ان المؤسسة قامت بإسكات أي صوت غرد بعيداً عن السرب.
بقدر ما نعلم، لم يتسائل أي وزير إن كان أمراً مثيراً للسخرية أن تقوم دولة صغيرة مثل اسرائيل “برفض” اتفاق وقّعت عليها جميع الدول الكبري بالفعل. لم يقم مجلس الوزراء المصغر باستعراض الخيارات المتاحة الآن أمام اسرئيل بمفرده، في محاولة لإعادة القطار الي محطة الإنطلاق بعد أن وصل بالفعل الي المحطة النهائية. لم يتسائلوا اذا كان هناك قراراً محتملاً سيتخذه الكونجرس الأمريكي بإلغاء الإتفاق، سيكون مُلزِماً لروسيا والصين والإتحاد الأوربي لتجنب العقوبات المفروضة علي ايران بدلاً من ذلك. كما أن الاحتمال الضعيف بأن اتخاذ مثل هذا القرار الأمريكي قد اقترب، صار الآن أقرب الي الصفر، بعد أن وافق مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالإجماع علي الإتفاق في 20 يوليو. جميع أعضاء المجلس الوزراي المصغر، قاموا برفع أيديهم مؤيدين الخروج الي المعركة التي يستحيل الفوز بها، ولم يعترض أي وزير علي القرار.
يشير التقرير الذي نشره مراقب الدولة، في قضية مستودعات الغاز الطبيعي، فى يوم20 يوليو، الي أن تصرف القيادة السياسية في قضية النووي الإيراني لم يكن شاذاً. قرر المراقب “يوسيف شابيرا”، أن السلوك المعيب لجميع وزارات الحكومة أدّي الي مسألة احتكار الغاز. انتقد المراقِب بشدة عدم وجود سياسة حكومية شاملة ومتكاملة أو اجراءات فعالة، كما انتقد ايقاع العمل البطئ وغياب التعاون، والتنسيق المعيب بين العناصر المختلفة في المفاوضات بين الدولة وشركات الغاز حول هيكلية السوق. العمل بين الوزارات المختلفة فيما يخص قضية الغاز، لم يتم تنظيمه بشكل رسمي، ولم يتم تحديد لا موقعه ولا صلاحياته ولا أهدافه ولا أهداف المشاركين فيه ولا اطار مسؤولياتهم وخطة عملهم.
“عندما نتحدث عن المورد الطبيعي الأكبر والأغلي الذي تم اكتشافه منذ قيام الدولة، علي الحكومة أن تحترم هذا، وأن تقوم بفحص عميق، سواء للتأثيرات قصيرة المدي، أو بالطبع التأثيرات طويلة المدي الخاصة بقراراتها وأفعالها”، هكذا كتب المراقِب. أضاف شابيرا في تقريره أيضاً : “انني علي يقين من أن جميع الأطراف ذات الصلة، والتي تتمتع بالمعرفة والخبرة، في السلطة التنفيذية، ستجد وسيلة بديلة من شأنها أن تحقق المصلحة العامة علي النحو الأمثل”. ورد في العمود التحليلي في موقع “ذا ماركر” أنه “فقط بعد ساعتين، نجحت الحكومة أمس في ضبط النفس قبل أن تُلقي بتقرير مراقب الدولة، الذي كتبه حول قضية اقتصاد الغاز، الي سلة القمامة”.
وها هو جزء مما ورد في تقرير مراقب الدولة قبل ثلاث سنوات حول التعامل مع أسطول “مرمرة” التركي الذي أبحر نحو سواحل غزة في مايو 2010. وذلك في أعقاب المواجهة العنيفة التي تطورت في محاولة ايقاف القافلة البحرية، والتي قُتل فيها العشرات من ركاب السفينة، وأُصيب العشرات من مقاتلي القافلة. “أثناء عملية اتخاذ القرارات، بقيادة رئيس الوزراء وعلي مسؤوليته، تم الكشف عن عيوب خطيرة”. حذّر المراقِب من أن نتنياهو لم يعقد أي جلسات نقاش مع وزير الدفاع ووزير الخارجية، للقيام بخطوة من التفكير المشترك الذي من شأنه أن يؤدي الي جهود تنظيمية سياسية- دبلوماسية وجهود اعلامية منسقة ومتكاملة. كما حدث في قضية احتكار الغاز، تمت أيضاً النقاشات القليلة حول القافلة البحرية بدون أي ورقة عمل مسبقة أو استعداد رسمي موثق.
“أرغب في التأكيد”، يضيف المراقِب، “علي أنه من المناسب أن يضمن رئيس الوزراء، انطلاقاً من مسؤوليته الشاملة، أن القرارات التي سيتم اتخاذها في الجانب الأمني والقومي، سيتم تنفيذها وفقاً لإجراءات منظمة، من خلال الاعتماد علي مجلس الأمن القومي، وعلي العناصر المطلوبة في وزارة الخارجية والدفاع والأركان العامة، بما في ذلك طرح القضايا ذات الصلة للنقاش في حضور مجموعة الوزراء المعنيين”.
لم يطلب أي وزير، حتي الآن، من رئيس الوزراء أن يعقد جلسة نقاش حول سياسة الحصار علي غزة، والذي بدأ بالفعل أثناء ولاية رئيس الوزراء السابق. وهو الحصار الذي سيؤدي الي توجيه انتقادات أخري ضد اسرائيل والي قافلة بحرية أخري ومواجهة جديدة. لم يطالب أي وزير بمعرفة سياسة الحكومة في قضية الضفة الغربية أو بفحص بدائل الجمود السياسي وسياسات الاستيطان. كما لم يطالب الوزراء بفهم مقصد رئيس الحكومة عندما قام بامتداح “الدفع بالسلام”. يعود الوزراء ويكررون صفحات الرسائل الخاصة بمكتب رئيس الوزراء، حول الإرهاب الفلسطيني، والمقاطعة المعادية للسامية، ورغبة اسرائيل في استئناف المفاوضات السياسية.
كشف “ايهود أولمرت”، رئيس الوزراء السابق، في عام 2013، أن خطة نتنياهو العبثية المتعلقة بمهاجمة ايران، كلّفت مواطني اسرائيل 11 مليار شيكل. كما أن الخسائر التي ستلحق بهؤلاء المواطنين، جرّاء تسليم مستودعات الغاز الطبيعي، بدون رقابة، للمليونيرات مثل “يتسحاق تشوفا” و “نوبل انرجي”، وبعيداً عن أعين الجمهور، من شأنها أن تصبح أكبر بكثير. بل أن تلك الخسائر ستصبح أمراً تافهاً في مقابل فقدان خيار حل دولتين لشعبين، وهو الأمر الذي سيؤدي الي تدهور الديمقراطية الإسرائيلية وانهيار مكانتها الدولية.
ثمة قضية وردت في تقرير الغاز الطبيعي، وهي القضية ذاتها التي زعم رئيس الوزراء أنها تتعلق بأكثر الجوانب حساسية في الأمن القومي، حيث قال مراقب الدولة أنه “في قضية بهذه الأهمية، علي الحكومة أن تعمل مثل الأوركسترا المتناسقة مع قائدها”. اذا استجاب الكنيست لمطالب رؤساء أحزاب “يش عاتيد”، “يائير لابيد”، ورئيسة حزب ميرتس، “زهافا جلئون”، بإنشاء لجنة تحقيق في قضية الإتفاق النووي، فإنه بهذا سوف يكشف عن أن نتنياهو، مثلما هو الحال دائماً، قام بنفسه بأداء دور الملحن وقائد الأوركسترا والعازفين. وزراء الحكومة هم نواب الشعب الذين يتحملون المسئولية الشاملة عن قرارات تلك الحكومة، يقومون في هذا المثال بدور الجمهور الذي يهتف في نهاية الحفلة الموسيقية، حتي وإن كان الآداء سيئاً.
بقلم: عكيفا الدار