أطلق بنيامين نتيناهو على عملية القتل “إجرامي وخطير”. كتب رؤبين ريفلين: “أبناء شعبي فقدوا إنسانيتهم”. وقال موشيه يعلون أن هذا “عملية إرهابية” ودعا نفتالي بينيت “لمعاقبة القتلة بأشد عقوبة قانونية”. وفى الحقيقة لا يمكن البقاء غير مبالين أمام قتل الرضيع علي دوابشة  – بطريقة وحشية كهذه – حرقاً.

فى هذا السياق أدان كبار مسئولي حزب الليكود واليمين أيضاً قتل الشابة شيرا بنكي، في مسيرة الفخر للمثليين. وقال نتنياهو أن “شيرا قُتلت بيد مجرم”، واضاف بينيت أن “هذا يوم تحولت فيه صورتنا إلى ظلام لغير اليهود بدلاً من النور لغير اليهود”.

لكن ماذا يمكننا أن نفعل وكل أقوالهم ليست إلا كلمات فارغة من مضمونها، لا يوجد من ورائها شئ. فلم نتحول من النور إلى الظلام هذا الإسبوع، سيد بينيت، ولم تبدأ أعمال القتل أمس، والإحراق وتكسير العظام والإضطهاد والتحريض وسرقة الأراضي في المناطق المحتلة. هل تذكر حرق الطفل محمد أبو خضير بواسطة مرتدي الكيبا منذ سنة فقط؟

بدأت الوحشية قبل 48 عام، فور الإنتصار في 1967، عندما سيطر جوش إيمونيم على الدولة بحماسة مسيحانية، من خلال تقديس الحجارة والقبور وإحتقار الإنسان – وهذا عمل غريب خلافاً لليهودية. وحدد المسيحين الكاذبين “موشيه لفينجر” و”حنان بورات” حينئذ مصير إسرائيل كقبيلة. فقد حولونا من دولة أخلاقية وطلائعية محبوبة لكل العالم، إلى دولة منعزلة ومكروهة وإلى أمة وحشية ليست أخلاقية، وتضطهد شعباً آخر – وخلال ذلك تدمر نفسها.

جريمتي القتل في الضفة والقدس متشابهتين. فكلاهما تنبعان من نفس السبب الوحشي للإحتلال، والذي يزيل الموانع الأخلاقية. في البداية يعاملون عرب المناطق المحتلة بقسوة، وبعد ذلك يتجهون إلى الداخل: الجنود ورجال الشرطة ورجال الوسط واليسار، قتل “إيميل جرينتفيج” وقتل “يتسحاق رابين” وقتل أى شخص مختلف.

لا يستطيع الخط الأخضر إيقاف تعليم الكراهية، والعنف ونزع الطابع البشري. ما يحدث في المناطق المحتلة يتسرب على الفور إلى داخل دولة إسرائيل، من تعامل بقسوة مع كبار السن مروراً بالعنف وسط الشباب وحتى عمليات القتل. كل شئ ينبع من نفس المنبع. هذا هو الثمن الخطير للإحتلال.

الإحتلال وحشي بطبعه. فهو قمعى بطبيعته. الإحتلال هو إجراء حتمي يؤدي إلى ضياع الحدود الأخلاقية للمحتل، ويؤدى كذلك إلى الجرائم والوحشية على جانبي الخط الأخضر التى تبدو كثيرة في عددها.

لذلك لا يمكن قبول تلك الأمور “التحريضية” لمشعلي النيران ومؤيدي إستمرار الإحتلال وممولي المستوطنات؛ نتنياهو وريفلين ويعالون وبينيت وكل باقي وزراء الليكود واليمين. فهم لا يمكنهم تنظيف أيديهم. إستخدام الكلمات النظيفة أمر غير مفيد.

نُفذت 15 عملية حرق عمد للمنازل والمساجد في الضفة منذ عام 2008 وحتى اليوم، ولم تحل الشرطة والشاباك لغز القضايا ولا حتى واحدة منها. وهذا ليس من قبيل الصدفة. هذه سياسة موجهة. صرح نتنياهو فقط الأسبوع الماضي أنه سيعطي الإذن ببناء 300 منزل في الضفة، عقب هدم منازل درينوف التي أقيمت على أرض خاصة. ما هذا إن لم يكن تحفيزاً للقتلة؟

للتاريخ مذاق آخر، وفهو يتكرر بدقة شيطانية. قبل 2.000 عام تمردت مجموعة من الحاقدين مسيحانية ومجنونة في روما العظيمة وتسببت في حرب دامية بين الأخوة، وأدت إلى حرق القدس، وهدم الهيكل، ومحو مدن إسرائيلية، وقيادة باقي المطرودين إلى شتات عمره 2.000 عام.

إلى هناك بالضبط تقودنا الآن مجموعة جديدة من الحاقدين الجدد المسيحانية المجنونة أيضاً، أطلق عليها ذات مرة “جوش إيمونيم” والآن تجمع كل متطرفي اليمين الذي يقودونا في نفس مسار تعميق الإحتلال، والتمرد على أمم العالم، حرب يأجوج ومأجوج – ونهاية الهيكل الثالث.

هارتس