إجتاحت مؤخراً موجة من الإشاعات والأخبار حول الإستقالة المتوقعة لرئيس السلطة الفلسطينية “محمود عباس” (أبو مازن) إسرائيل والبلاد المحيطة بها. وأنكرت السلطة الفلسطينية والمقربين إلى أبو مازن هذا بشدة، وأشارت إلى أن هذه مرحلة أخرى في الحرب النفسية التي تديرها إسرائيل ضد الرئيس. ويقولون في إسرائيل أن تلك الأخبار ذاعت وأنتشرت بواسطة معارضي أبو مازن ممن حوله (وهؤلاء ليسوا قلة). وجدير بالذكر أننا شاهدنا هذا الفيلم، وفي كل المرات السابقة يُنشر فيها أن رئيس السلطة الفلسطينية سيستقيل، وحتى في المرات التي سرب هو نفسه وأثار الفوضى، إنتهت بأنه لازال موجود حي يرزق في المقاطعة فى رام الله.

هذه المرة ترك أثراً أن لتلك القصص قيمة إضافية. حتى وقت قريب، عندما سُئل كبار رجال المنظومة الأمنية الإسرائيلية عن إستقالة متوقعة لأبو مازن، أجابوا بنفى جارف. وفي الأسابيع القليلة الماضية تغير كل هذا. قال لي مسئول أمني إسرائيلي رفيع المستوى في الإسبوع الماضي (يوليو 2015) أن “هذه الأخبار عن الإستقالة المتوقعة أكثر تأكيداً من ذي قبل. هناك أدلة إستخباراتية على ذلك. لدى أبو مازن العديد من الأسباب للإستقالة. ولديه أيضاً أسباباً للبقاء. وترك إنطباعاً أنه هذه المرة أكثر جدية، إن لم يكن يعد بذلك”.

يؤكد مسئول أمني خبير آخر في وزارة الدفاع: “تشير المؤشرات هذه المرة على فرصة حقيقية لإستقالة أبو مازن. فليس لديه أفق سياسي ولا يوجد أي تقدم في القضايا الحالية، حيث فقد الفلسطينيين الإهتمام والإنتباه الدولي، وقد إجتاز الثمانين من عمره وبدأ مرحلة اليأس. هو يدرس بالفعل أن يترك الأمر برمته، ولكن إلى الآن لم يتخذ القرار. ولا يمكن إستبعاد أن يفعل ذلك في نهاية العام. على الرغم أن في الشرق الأوسط – مثلما تعملنا – لا يمكن التنبؤ حتى بالأسبوع القادم فيه”.

المسئولين الذي نقل على لسانهم هذا الكلام تابعين للمنظومة الأمنية الإسرائيلية، بإستثناء الجيش الإسرائيلي (وزارة الدفاع وجميع فروعها ووكالات الإستخبارات المختلفة). وداخل الجيش الإسرائيلي الأمر مختلف. قال قائد فرقة الضفة العميد “تمير يدعي” الأسبوع الماضي في بيان للصحفيين أشياء مختلفة تماماً: “نحن نقدر أن ابو مازن سيبقى في منصبه”.

الإختلاف في الآراء حيال أبو مازن بين الجيش الإسرائيلي ومسئولي الأمن الأخرين متعمق وجوهري عما يبدو حيال الخارج. ويتغير أيضاً تقدير أبو مازن بين المسئولين المختلفين. إذا استمر الجيش الإسرائيلي فى  المبالغة في مساهمة أبو مازن فى الحرب على الإرهاب، وموقفه المتشدد ضد الإرهاب وحقيقة أن الأجهزة الأمنية التابعة للسطلة الفلسطينية تتعاون مع إسرائيل في القضاء على الإرهاب، فها هى المنظومة السياسية الإسرائيلية ، خاصة في اليمين، تستمر في التقليل من قدر أبو مازن بشكل يومي. السبب فى ذلك: إستمرار التحريض ضد إسرائيل واليهود في المنظومة التعليمية والإعلام فى المناطق المحتلة، وإستمرار “التعنت السياسي” من جانب أبو مازن للتوجه الفكري لممثلي اليمين في إسرائيل.

كلا الطرفين لديه قضية قوية. نعم، يستمر التحريض الشديد ضد إسرائيل في السلطة الفلسطينية، وأبو مازن بالفعل يدفع أجور المخربين القتلة وتطلق السلطة الفلسطينية أسماء قتلة المواطنين والنساء والأطفال على الشوارع والميادين. ومع هذا، يؤكد الجيش الإسرائيلي أن “لدى أبو مازن ضرورات سياسية. ولديه أيضاً جمهور، ولديه أيضاً ‘سلام‘. هذه هي اللغة وهذه هي عقليتهم، الآن لا توجد فرصة لتغيير هذا. نحن نفضل التركيز على الأفعال لا الأقوال وفيما يتعلق بالأفعال، أبو مازن واضح ومنضبط، وطالما هو مسيطر على الضفة لن نتوقع حدوث إنتفاضة، ولن يكون هناك غضب ولن تحدث فوضى. ولفظياً أيضاً، كل مرة يتكلم ضد الإرهاب بطريقة لم يتكلم بها أي زعيم فلسطيني أو عربي أبداً”.

بطريقة أو بأخرى، كلما مر الوقت نحن نقترب من موعد الإستقالة الحقيقي للزعيم الفلسطيني. إلى أي مدى يبدو هذا غريباً، في إسرائيل لا ينوون ولا يخططون ولا يستبقون الأحداث ولا يضعون السيناريوهات لـ”اليوم الذى يلى ذلك”.

طلب يائير لابيد في أكتوبر الماضي، وكان لا يزال وزيراً المالية، عقد جلسة حول “يوم ما بعد” أبو مازن. وعد نتنياهو ولكن لم يحدث شئ. لم تكن هناك جلسة كهذه في مجلس الوزراء الإسرائيلي. ولم تعقد أيضاً لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، المنسق الأعلى للمنظومة الأمنية، أي جلسة نقاش في هذا الشأن.

قال لي مسئول أمني هذا الأسبوع “هذا بدأ يذكرني بالأنفاق الملغومة الخاصة بحماس”، “يعلم الجميع أن هذا سيحدث في النهاية، ولكن لم يستعد أحد ولم يحذر ولم يبادر بجلسة أو إستعداد قبيل الحدث”.

تشير إستطلاعات الرأي في المناطق المحتلة بشكل واضح إلى هوية الوريث المؤكد تقريباً لأبو مازن: بحسب مستوى الشعبية سيكون “مروان البرغوثي” المحكوم عليه بالحكم المؤبد في السجن الإسرائيلي بعد أن تم القبض عليه بسبب تنفيذ عمليات إرهابية، أدت إلى قتل إسرائيليين كثيرين خلال الإنتفاضة الثانية. وقال لي عضو في لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست هذا الأسبوع “هو المتقدم في كل إستطلاعات الرأي بفروق كبيرة عن الآخرين”، “من الأفضل أن نكون مستعدين لهذا السيناريو”.

الحديث هنا عن سيناريو الخوف: أبو مازن يعلن الإستقالة، تقام إنتخابات في الضفة ويفوز سجين محكوم عليه بالمؤبد وموجود في السجن الإسرائيلي اسمه “مروان البرغوثي” بلقب رئيس السلطة الفلسطينية الجديد وبأغلبية ساحقة.

قال وزير الدفاع يعالون حين ذُكر اسم البرغوثي وبحسب مسئول إسرائيلي “لم ينوي أي أحد إطلاق سراحه في اي مرة”. إستنتاج: يمكن أن تجد إسرائيل نفسها في المستقبل القريب في موقف شبيه بموقف نيلسون مانديلا، بمعنى زعيم فلسطيني تم إنتخابه بأغلبية كبيرة ويتمتع بدعم دولي واسع وهو موجود في السجن الإسرائيلي. كيف سيخرجون من مأزق كهذا؟ “هذه كرة من الثلج الإعلامي والجمهوري التي يمكن أن تدفننا كلنا تحتها”، وقال هذا الإسبوع في حوار مغلق أحد أعضاء لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، “يمكن أن نجد أنفسنا في وسط عاصفة هوجاء عالمية وليس لنا أي سيطرة على الوضع، ولم يفكر أحد في هذا ولم يستعد لهذا ولم يحاول خلق أجابات قبل فوات الأوان”.

بن كسبيت- المونيتور