26-2-2015

جاكي حوجي

أستغرقت القيادة الدينية في مصر حوالي عشر سنوات لكي تستوعب وتعلن أن شيئا ما فى الإسلام قد تشوه. كان يجب أن يُقتل أعداد كبيرة من العرب الأبرياء وتُفجر مئات العربات المفخخة في القاهرة وبغداد والرياض وطرابلس وبيروت لكي نسمع كلمات شيخ الأزهر، أكبر مسئول ديني في النظام المصري.

ففى دعوة للدكتور أحمد الطيب قال “يجب إعادة الإسلام إلى معناه الصحيح” وطالب ببدء التغيير في المدارس والجامعات.

حدث هذا في بداية الأسبوع الماضي في مؤتمر جمع كل رجال الدين فى السعودية لبحث الإجراءات والتدابير الدينية لمحاربة الإرهاب. وليس مصادفة إختيار السعوديين للمدينة المقدسة مكة لإستضافة المؤتمر وشرُف بالحضور أيضاً الملك “سلمان بن عبد العزيز”.

شهدت مصر أزمة دولية أخرى، مقتل 20 مواطن مصري مسيحي قبطي في ليبيا على يد تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش). وسُمع هذا الاسم كثيرا في القاعة ولكن المجتمعين أصروا على عدم تكراره.

ألقى الدكتور “أحمد الطيب” خطاباً هاماً حيث قال “أنا سعيد للغاية لتلك المجهودات الحثيثة لتغيير التوجهات الدينية الخاطئة، فيما يتعلق بالمبادئ الدينية التي تهمنا مثل الجهاد والتكفير وخطر الطائفية والتعارض (بين الأديان)”.

وأضاف “طالما لم نستعد السيطرة على الأنظمة التعليمية والثقافية في مدارسنا وفي الجامعات ستحدث فوضى إتهام الآخر بالكفر، فلا أمل في هذه الأمة، ولن تعود قوية ولا موحدة ولا متآلفة ولا متحضرة ولن تلحق الأمم المتقدمة في مسيرتها الى جانب الأمم المتقدمة”.

قال مفتي الديار المصرية أن مجهود متطرفي الإسلام في إتهام الآخرين بالكفر فكك وحدة المسلمين. وكما قال لقد زرعوا “أشواك الكراهية والعداء” في وسط الأمة الإسلامية ففرقوها إلى طوائف.

وقال الطيب “يجب الوقوف أمام الأزمة التي وقعت فيها منطقتنا العربية”. “فتلك الجماعات الإرهابية التي تتبني العنف هي غريبة عن الإسلام فكرياً وشرعياً وأخلاقياً وتاريخياً وثقافياً. ومن المؤلم أن يكون المتطرفين خارجين عن السيطرة وأن نعتاد على أساليبهم البربرية وسلوكهم المتوحش. فهؤلاء الناس متعطشون للقتل والذبح وحرق الأحياء”.

“شيخ الأزهر” هو لقب رئيس أكبر مركز بحثي في العالم الإسلامي السني وموقعه في القاهرة. وهو منصب حكومي يكون التعيين فيه بقرار رئيس الجمهورية ويُعتبر الذراع الديني للقصر الرئاسي في القاهرة.

أول من يكشف الأمر

قال الطيب أن الرئيس “عبد الفتاح السيسي” هو الزعيم العربي الأول الذي رفع شعار التغيير الفعلي والمركزي فيما يخص الإسلام. فقد ظهر السيسي منذ شهرين في الإحتفال السنوي لمولد “النبي محمد” أمام رجال مؤسسة الأزهر. وكان هذا قبل حادث ليبيا وقبل الهجوم الدموي في سيناء، الذي حدث بعد ذلك بشهر، وقد هاجم حوالي مائة من المسلحين في نفس اللحظة أهداف للجيش والشرطة في رفح والعريش والشيخ زويد. وقتلوا 40 من العسكريين. ولم يكن السيسي في حاجة لتلك الهجمات لكي يفهم أن أغلب الشباب المسلم في جميع أنحاء العالم يفهمون ما يريد دين محمد أن يغرس فيهم بصورة خاطئة.

قال الرئيس المصري: “لا يُمكن أن تكون كتبنا المقدسة هي مصدر هذا الألم والقتل والتدمير في العالم أجمع”. “فهناك 1,6 مليار مسلم يتعاملون في حياتهم اليومية مع ثمانية مليار نسمة بشكل طبيعي. علينا تغيير وجهة نظرنا، ولذلك أنا أقول من مكاني هذا في الأزهر وأمام رجال الدين: أنتم مسئولون أمام الله عن تجديد الحوار الديني. أقسم بذلك، والله في عوني، فنحن نحتاج إلى ثورة دينية”.

دعوة القيادة المصرية للتغيير الجذري لتعليم الجيل الصغير كيف يرى القتل كجريمة دينية. فالجهاد يقولون (باللغة العربية – الجهاد الأكبر) ليس دعوة للحرب بل إنه قيمة دينية لتحفيز المؤمن على مجاهدة نفسه في كل مناحي حياته. فهذا هو نموذج المسلم الحقيقي المتبع في المجتمعات الغربية.

يقول علماء الدين أن القرآن يهدد بعقوبة شديد لمن يقتل مسلماً. ففي السورة الرابعة (النساء) الآية 93 مكتوب “ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزؤه جهنم خالداً فيها”، “وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً”.

إجازة القتل (شرعاً)

الصوت الذي تعالى في القاهرة زاد من حدة الأزمة السياسية في المجتمع العربي. فطالما أن الإسرائيليين يُقتلون في التفجيرات أو الأمريكيين يُقتلون في إصطدام الطائرات بالأبراج السكنية يُمكن تجريم الإحتلال ومن يعاونه.

أستحت الزعامة العربية أن تفتح باب التحقيق في هذه الظاهرة على وسائل الإعلام العامة. وكلنا نذكر حديث شيخ الأزهر السابق “محمد سيد طنطاوي” عندما قال أن الفلسطينيين الذين ينفذون العمليات الإنتحارية في وسط تجمعات المواطنين الإسرائيليين لهم منزلة مقدسة.

ولم يخجل طنطاوي من أن يعطي الإجازة الشرعية لفتاة فلسطينية تقوم بعملية إنتحارية بأن تخلع حجابها كي تستطيع الإندماج وسط الجموع الإسرائيلية لتنجح في تنفيذ مهمتها. وحدد شيخ الأزهر في بداية 2001 في ظل الإنتفاضة الثانية أن “من يُفجر نفسه في من يهدم بيته، أو من يهاجمه أو يتعدى على ممتلكاته – فهو شهيد”. وأشار العديد من الأدباء والشعراء والفنانيين إلى هوس القتل الجماعي باسم الدين. ولكن فعلوا ذلك كلٍ على طريقته الفنية الرمزية.

الإرهاب في قلب الأمة

وصل إرهاب العمليات الإنتحارية إلى قلب العالم العربي. فبعد ثلاث سنوات فقط من فتوى دكتور طنطاوي الشرعية ذاقت مصر أول هجوم بقنبلة في سيناء. وحدث في السعودية أيضاً في مايو 2003. وعلى الرغم من ذلك، فقد إستغرق السعوديين سبع سنوات حتى أصدر مركز الفتاوى الرسمي في الرياض فتوى شرعية تاريخية والتي عرفت الإرهاب “أن أي إعتداء على الممتلكات وقتل وإصابة الأبرياء، حرام وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية”.

لكن الإرهاب الداخلي الذي خرج من رحم العالم الإسلامي تزايدت قوته. فقد وصل الإرهاب ذروته بالدخول إلى الأنظمة المختلفة وإنتشار الموت والقتل في وسط المواطنين الأبرياء، فعندما يبحث آلاف الشباب المسلمين عن الطريق للإنضمام إلى صفوف القاعدة والدولة الإسلامية. ليجدوا أنفسهم يقتلون الرهائن الأبرياء بدمٍ بارد، ونرى المسلمين الشيعة يُشعلون النار في الكنائس ويخطفون النساء ويغتصبوهن. وكل هذا، تبعية لراية تحمل الشعار الخطير “لا إله إلا الله”.

هل دعوة السيسي لإصلاح ديني سـتجني ثمارها؟ ليس على المدى القريب. فهذه المرحلة هي المحطة الأولى في طريق الإصلاح الطويل.

ويقول لنا “سامر أبو لبدة”، خبير أردني في القانون الدولي يعيش في لندن “لقد ضاعت تلك الدول”. ويحدد المشكلة على طريقة منافسه “عبد الباري عطوان” ليست فى الدين، بل فيمن يستخدمونه شعاراً للأنظمة نفسها، ولم يفعلوا أي شئ لعشرات السنين ضد التطرف الديني وحتى لم يوجهوه إلى الغرب.

يقول مواطن مصري – خريج جامعة – فضل عدم ذكر اسمه “إن كان علينا إصلاح شئ ما فالمساجد هي المحطة الأولى”. “فمن المساجد جاء التطرف في يوم الجمعة. لقد تربيت هناك وأعلم ما يقولون. فهم يشتمون اليهود والنصارى. وأما المحطة الثانية ستكون قنوات التلفزيون التابعة للحركات السلفية. فهم يتحدثون بنفس الطريقة”.