2-3-2015

داڤيد سيمان توڤ، يورام شڤيتسار

في الآونة الأخيرة، وقع حادثان مرتبطان بعائلة “مغنية”، كان أولهما اغتيال “جهاد مغنية” والذي نسب إلى إسرائيل، بالإضافة إلى ناشطين رفيعي المستوى من حزب الله وإيران، كان من ضمنهم، جنرال إيراني من الحرس الثوري، ووقع هذا في هضبة الجولان. ثانيهما، كان خبر في “واشنطن بوست”، جاء فيه أن إسرائيل والولايات المتحدة قد تعاونتا في اغتيال “عماد مغنية”، والد “جهاد”، الذي كان يشغل منصب رئيس الذراع العسكري لحزب الله. يناقش هذا المقال طرق مواجهة إسرائيل مع حزب الله، المدعوم من إيران، ويختبر تأثير اختيار الاستراتيجية الإسرائيلية التعامل مع التحدي في الجبهة الشمالية على رد حزب الله.

وفقاً للتقارير المعلنة، فإن هدف الهجمة التي وقعت في الجولان، كان إلحاق ضرر كبير بالبنية التحتية للإرهاب، التي أقامها حزب الله هناك، بالتنسيق مع الحرس الثوري، والتي كانت في مراحل متقدمة. كانت القوة التي تم ضربها من بين مؤسسي تلك البينة. نسبت مصادر أجنبية تلك الحادثة لإسرائيل، حتى أن هناك البعض من رجال الأمم المتحدة، أدلوا بشهادتهم أن طائرات إسرائيلية بدون طيار، كانت تحلق في مكان الحادث. وقد أدى عدد القذائف التي تم إطلاقها من سوريا تجاه “جبل دوڤ”، كرد فعل للهجمة، إلى رد فعل إسرائيلي ضد قوات الجيش السوري، التي كانت لا تزال في هضبة الجولان. لكن رد الفعل الأكثر أهمية من جانب حزب الله جاء بعد عدة أيام، وكان عبارة عن إطلاق عدد من الصواريخ المضادة للدبابات تجاه دورية للجيش الإسرائيلي في “جبل دوڤ”، الواقع على الحدود الإسرائيلية اللبنانية، وأدي إلى وفاة جنديين وإصابة سبعة. على الرغم من استهداف الجنود الإسرائيليين، إلا أن إسرائيل اختارت ألا تصعد الأمر، وأيضاً نقل حزب الله رسائل عبر قوات “اليونيڤيل”، مفادها أنه يري أن هذا الحادث قد انتهي.

كان اغتيال “عماد مغنية” في 2008، نوع آخر من التعامل. حيث تم إلقاء مسؤولية تنفيذ عدة عمليات بارزة ضد الولايات المتحدة في لبنان، علي عماد مغنية (إصابة السفارة الأمريكية في بيروت وقتل جنود من المارينز، خطف طائرات وأخد مواطنين كرهائن لفترة كبيرة )، وأيضاً استهداف أهداف إسرائيلية ويهودية في الأرجنتين، وكذلك بناء قوة حزب الله بعد حرب لبنان الثانية. مؤخراً، نُشر أن عملية اغتياله قد تم تنفيذها بعد تعقب متواصل، بالتعاون بين وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية والموساد الإسرائيلي.

صرّح “حزب الله” أكثر من مرة، أن مقتله سيتبعه رد فعل مؤلم ضد إسرائيل، لكن ذلك التهديد لم يتحقق، وكذلك فشلت عدة محاولات لاستهداف سفارات وسفراء إسرائيل في الخارج، باستثناء الحادث الذي تم تنفيذه في “بور غاس”، ببلغاريا في 2012. ودفع حزب الله ثمن كشف مسؤوليته المباشرة عن الحادث، كما تم التعبير عنها في المحكمة، أنه تم إدراج الذراع العسكري له على قائمة الاتحاد الأوروبي للمنظمات الإرهابية.

تُظهر طريقة استهداف أسرة مغنية، الأب والابن، استراتيجيات إسرائيلية مختلفة للتعامل مع المنظمات الإرهابية. إحداها، تلك التي نُفذت في هضبة الجولان، وكان هجوم جوي، بشكل علني تقريبا. يتم تنفيذ مثل هذا الهجوم حينما يتم رصد تهديد ملموس على إسرائيل أو حينما تريد إسرائيل أن ترسل رسالة للجانب الآخر، حتى إن لم تتبني مسؤولية الهجوم. الطريقة الثانية، هي استهداف البني التحتية وبزعماء الإرهاب بشكل سري دون أن تترك بصمات إسرائيلية. الهجمات السرية تتيح لإسرائيل وللخصم مساحة للإنكار، أو تسمح له أن يمتنع عن الرد، أو أن يرد بشكل محدود، ليمنع التصعيد.

المنطق الأساسي في الحرب السرية هو، أنها توفر مجال للإنكار للجانبين وتتيح للجانب الذي تعرض للهجوم ألا يقوم بالرد، دون أن يظهر، بسبب ذلك، كطرف ضعيف. وبالفعل، استغل حزب الله وسوريا وحتى إيران، في السنوات الأخيرة، مجال الإنكار هذا ولم يردوا بشكل مباشر على العمليات التي تم تنفيذها ضدهم وتمت نسبتها لإسرائيل. من بين تلك العمليات، كان هناك عمليات ظهر فيها أثر لإسرائيل، تحديداً في المناطق السورية، والتي تم تنفيذها لمنع تهريب وسائل قتالية متقدمة من سوريا إلى حزب الله، ولم يتم العثور علي دليل واضح للمسؤول عنها. في المقابل، جعلت عمليات الاغتيال في هضبة الجولان، بشكل “صارخ”، الأمر صعباً على حزب الله أن يستغل مجال الإنكار و”أضطر” أن يرد، لكي يعيد بناء الشكل الرادع الخاص به، حتى إن كان معنى الرد هو المخاطرة بتغيير شكل المواجهة. لذلك، ردّ حزب الله بالشكل الذي يراه “شرعي” ويمكن تفسيره، لأنه يشبه الهجوم الذي تمت نسبته إلى إسرائيل (“صاروخ مقابل صاروخ”، “استطلاع مقابل استطلاع”) وتم تنفيذه في مكان سهل نسبياً له-حيث أنه من جانبه يري أن التنظيم لديه شكوى إقليمية تجاه إسرائيل. وخلال رده، طلب حزب الله أن ينقل رسالة، أنه لن يرد في المستقبل على استهداف إسرائيل له وأيضاً في مناطق سوريا، بما في ذلك استهداف نقل الأسلحة. إذا كان أختار حزب الله أن يرد رد متطرف آخر، مثلاً، أن ينفذ عملية في الخارج، كان سيعرض نفسه لخطر رد شديد بل لعقوبات ضده من جانب المجتمع الدولي، بشكل خاص، من جانب الدول الأوروبية، والتي نفد صبرها، منذ حادث بور غاس، تجاه عملياته وكل عملية إرهابية يتم تنفيذها بداخله.

من السابق لأوانه أن يتم تقدير تأثير العمليات التي تم تنفيذها مؤخراً ضد البنية التحتية لحزب الله في هضبة الجولان: هل تعطل فتح جبهة عمل إيران وحزب الله في الجولان ضد إسرائيل، أم ستكون دافعاً قوياً لتصعيدها وتفعيل تلك البنية، مثلما يمكن أن يظهر من بدء “المعركة لاستعادة الجولان” والتي بدأت مؤخراً بمشاركة قوات حزب الله، وقوة القدس التابعة للحرس الثوري الإيراني والجيش السوري، حتى أنه تم تسميتها علي اسم الاثنا عشر فرداً المصابون في العملية الإسرائيلية. تجدر الإشارة إلى انه، على الرغم من أن حزب الله وإسرائيل قرروا، فعلياً، إنهاء التصارع العنيف بينهما بعد الهجوم على الجولان ورد فعل حزب الله، ألا أنه لا يمكن تحديد، أن إيران أيضاً، مع أو بدون حزب الله، سترد في المستقبل لكي تعمل على تكبيد إسرائيل ثمن باهظ، مثلما هدد مسؤولون رفيعي المستوي في الحرس الثوري. على أي حال، على ما يبدو، أنه بمواجهة حزب الله وإيران في الساحة الشمالية، فإنه من المناسب، إذا كان ذلك ممكناً، أن يتم تفضيل اتجاه الحرب السرية بأثر إسرائيلي غير ظاهر، ما يتيح مجالاً للمناورة والإنكار للجانبيين، وبذلك تنخفض فرصة التصعيد وحدوث حرب لا يرغب فيها الجانبان.

من الواضح، أن المعركة العنيفة بين إسرائيل وحزب الله في لبنان، وسوريا، ومن الممكن أيضاً خارج الشرق الأوسط، من المتوقع أن تستمر، وربما حتى أن تتصاعد خلال العام المقبل، على ضوء محاولات سوريا وإيران توسيع مجال نفوذهما في جنوب سوريا وهضبة الجولان السورية. تصريحات المسؤولين في الحرس الثوري، والتي مفادها أن إيران سترد على عملية إسرائيل، من شأنه أن يظهر، ليس فقط، في شكل دعم عمليات حزب الله، لكن أيضاً كمحاولة تنفيذ هجمات في الخارج، حيث أنه يمكن ملاحظة طريقة تحرك بتنسيق كامل بين إيران وحزب الله كمحور متبلور. هدف إسرائيل-وعلى ما يبدو في هذه المرحلة أيضاً هدف حزب الله وإيران-هو إدارة الصراع على النفوذ دون الانجرار إلى حرب. هذا لأن “المحور” خائف من عملية إسرائيلية ضد نظام الأسد-عملية يمكنها أن تؤدي إلى سقوطه. بالإضافة إلى رؤيتهم، أن حرب إضافية بين إسرائيل وحزب الله من المتوقع أن تكون مدمرة بشكل كبير بالنسبة للبنان، بعد أن تمكن حزب الله من توسيع نفوذه على السياسة الخارجية والأمن للحكومة اللبنانية ويعيد بناء نفسه كـــ “درع لبنان”. في المقابل، تُفضل إسرائيل أن تبتعد عن الأحداث الإقليمية المضطربة، وأن تمتنع عن أن تنجر لحرب ضد حزب الله في لبنان. وبناء على ذلك، من الملائم إيجاد أجهزة تهدئة وتحكم، بتدخل وسطاء غربيين وعرب، يدعمون كبح ردود الفعل في حالة الهجمات المتبادلة والتوتر غير المعتاد والقضاء على الانزلاق نحو حرب غير مرغوب فيها من الجانبين.

رابط التقرير