6-3-2015

تسفى برئيل

اللعبة متعددة الأوجه التي تديرها تركيا في الطريق إلى تشكيل تحالف سني

إحدى المستجدات متعددة الأوجه التي أدخلها الرئيس التركي إلى قصره الفاخر هو معمل سلامة الغذاء والتغذية وهو متطور يعمل فيه أربعة أشخاص متخصصين بشكل منتظم مهمتهم هي فحص مكونات الغذاء التي يتناولها الرئيس. ليست المسائل الصحية هي التي تؤخذ في الاعتبار، بل المخاوف من محاولة التسميم. ليس “رجب طيب أردوغان” هو الرئيس الوحيد، وبالطبع ليس الأول، الذي يعيّن طاقم مراقبة لفحص الغذاء الذي يوضع على مائدة الحاكم. فقد اعتاد سلاطين عثمانيون تعيين ذواقة للطعام، وكذلك الحال أيضا مع عدة حكام عرب معاصرين. ولكن لم يصرح أحد بهذا علانية، وعندما كشف الطبيب الشخصي لأردوغان “د. جودت أردول” هذا الأسبوع تفاصيل هذه العملية، كان هناك من نشر في تركيا هذه الأنباء على أنها إشارة إلى أحد ميول “أردوغان” التي أُعدت لتقديمه على أنه زعيم معتدل يتعرض للخطر.

ومع ذلك، يبدو أن خطر التسميم الذي يهدد “أردوغان” لم يؤرقه بشكل كبير حينما زار في بداية الأسبوع المملكة العربية السعودية، فوفقا لمصادر تركية، جلس الرئيس على مائدة العاهل السعودي “سلمان” دون أن يفحص له أحد الوجبات. إلا أن الأمر الذي لوحظ بشدة، خاصة في الصحافة المصرية، كان الاستقبال الذي حظى به “أردوغان” أمام استقبال الرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي”، الذي زار السعودية في نفس التوقيت. في الوقت الذي استقبل فيه العاهل السعودي بنفسه الرئيس المصري “السيسي”، كان محافظ “جدة” وبعض معاونيه يستقبلون “أردوغان” في مطار “جدة”.

لا شك في أن السعوديين يجيدون نقل رسائل دبلوماسية من دون ضجيج. رغم ذلك، زيارة “أردوغان” للسعودية هي تعتبر علامة هامة في السياسات الخارجية للبلدين. على عكس الملك السعودي الراحل “عبد الله” الذي كان يرى في “أردوغان” خصماً وفي تركيا دولة ينبغي الحد من نفوذها وقوتها في الشرق الأوسط العربي، يبدو أن لدى العاهل السعودي “سلمان” وجهات نظر أخرى. رحب بعض المحللين السعوديين الذين كتبوا عن الزيارتين الرسميتين، بزيارة “أردوغان” للمملكة العربية السعودية، وأوضحوا لمصر أنها لن تملي على السعودية علاقاتها الخارجية، أو ستحدد إن كانت السعودية ستعزز علاقاتها مع تركيا أم لا.

تشير المملكة العربية السعودية بقيادة الملك “سلمان” صراحة إلى أن سياسات الملك الراحل “عبد الله”، هي التي تسببت في زيادة نفوذ إيران في المنطقة، لأن إيران تُعد، أكثر من السعودية” نشاطاً فى محاربة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، وأن عجز السعودية في السيطرة على اليمن أدى إلى اعتلاء الحوثيين للحكم في البلاد، وهم المدعومين من قبل إيران.

 يُقدر محللون أن السعودية تسعى لإقامة محور مناهض للشيعة تلعب فيه تركيا دوراً محورياَ. لكن محوراً كهذا لا يمكن ألا يضم مصر، التي تعمل سوياً مع السعودية ودول الخليج على تأسيس قوة عربية مشتركة سريعة تشمل 40 ألف جندي، وانضمام تركيا إلى محور كهذا يستلزم إجراء مصالحة بين مصر وتركيا. هذا الموضوع نوقش باستفاضة في اللقاء الذي عقد بين “أردوغان” و”سلمان”، والذي في ختامه قال “أردوغان” إن “السعودية تريد المصالحة بين تركيا ومصر”. كما أشار الرئيس التركي أن السعودية لم تمارس عليه ضغط لتحسين العلاقات مع مصر مشيراً إلى أنه “لا يجب أن تقوم العلاقات بين تركيا والسعودية في ظل العلاقات بين تركيا ومصر”، كما أضاف أيضا أن “مصر وتركيا والسعودية يشكلون مثلث الدول الهامة في المنطقة”. ولكن خلافاً لهذه المجاملة التي وُجهت لمصر، نشر “إبراهيم كالين” المستشار الأكبر للرئيس “أردوغان”، مقال شديد اللهجة في الصحيفة التركية الموالية للحكومة “صباح”، أشار فيه إلى أن “الانقلاب الذي حدث في مصر أدى إلى اندلاع الخلافات والتوترات في الدولة”.

المصطلح “انقلاب”، بمعنى سيطرة غير شرعية على الحكم، تثير غضب الرئيس “السيسي” منذ أن اعتلى السلطة في يوليو 2013. الإنتقادات اللاذعة التي وجهتها تركيا، الداعمة للإخوان المسلمين، أمام السيسي، كانت سبباً رئيسياً في الصدع الذي نشأ بين البلدين، والذي تضمن مقاطعة غير رسمية للشركات التركية وسحب سفراء البلدين إلى بلادهما. وبالتالي فمن الصعوبة أن نجزم في هذه المرحلة إن كانت مجهودات المصالحة التي يقودها الملك السعودي ستخلص إلى نقلة نوعية في العلاقات المصرية – التركية أم لا، لكن بالنسبة لمصر، التابعة اقتصادياً للدعم السعودي، تم التلميح لها مجدداً أن سياستها الخارجية لا يمكن أن تصبح منفصلة عن التطلعات السعودية.

كذلك في تركيا، ليس الجميع راض عن كسر الجمود مع السعودية، خاصة لأن هذه الخطوة من شأنها أن تؤدي إلى خصومة بين إيران وتركيا. يعتقد المعلق السياسي الشهير ” مراد يتكين” أن على تركيا أن تتجنب الخطوات أحادية الأطراف التي من شأنها أن تتسبب في مواجهة مع إيران، وأن إبرام تحالف سني عربي من شأنه أن يمس بمنظومة العلاقات الناعمة والحيوية بين البلدين. كما طرح “يتكين” حجة هامة أخرى، بموجبها فكرة التحالف السني تغفل حقيقة أن المعركة الرئيسية في الشرق الأوسط هي في الأساس ضد التنظيمات السنية المتطرفة مثل الدولة الإسلامية والقاعدة.

من هذا الجانب تدير تركيا لعبة متعددة الأوجه: فمن ناحية هي لا تمثل شريكاً رسمياً في التحالف الغربي المضاد لتنظيم الدولة الإسلامية، وغير مسموح للطائرات الأمريكية استخدام المطارات التركية من أجل شن غارات على معاقل الدولة الإسلامية في العراق وسوريا. ومن ناجية أخرى، أعلن وزير الدفاع التركي “عصمت يلماز” هذا الأسبوع أن تركيا أرسلت، معدات عسكرية للعراق لمساعدتها في المعركة المخطط لها لتحرير مدينة الموصل من سيطرة الجهاديين. كما أعلنت تركيا أيضا أنها ستستوعب على أراضيها كل من يطلب اللجوء من المواطنين العراقيين في حال بدء المعركة، لكنها لن تشارك بشكل مباشر في العملية العسكرية.

زار الجنرال الأمريكي السابق “جون آلين”، المبعوث الخاص للتحالف الدولي المضاد لتنظيم “الدولة الاسلامية”، هذا الأسبوع تركيا من أجل مواصلة الحوار المستمر بخصوص تعاون تركي، حيث أعلن “آلين” أن “الحوار جاري” لكنه لم يثمر بعد عن نتائج فعلية. وبالنسبة للمعركة في سوريا، لا يزال “أردوغان” مُصراً على أن التعاون العسكري مع الدول الغربية مرهون بأن يكون الهدف ليس القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية فحسب، بل أيضا الإطاحة بالرئيس السوري “بشار الأسد”. وهكذا، كلما ترفض الولايات المتحدة والدول الأوروبية هذا الشرط، نظراً لأن بعضها يرى في “الأسد” شريك محتمل في محاربة الدولة الإسلامية، تملك تركيا حجة مقنعة في الإمتناع عن التدخل العسكري المباشر. وفي نفس الوقت، حينما تتعلق الأمور بالمصالح التركية المباشرة، لن تتردد تركيا للحظة. فعلى سبيل المثال، اخترقت تركيا الأراضي السورية في الأسبوع الماضى حتى تسيطر على قبر “سليمان شاه”، جد مؤسس الدولة العثمانية. ووفقاً لاتفاقية 1921 التي تم تشكيلها مع فرنسا، تعد منطقة القبر مِلكاً لتركيا، وقد نفذت “إسطنبول” عملية عسكرية من أجل سحب الجنود الأتراك الذين كانوا يحرسون الموقع وأعادت الأغراض التاريخية المتواجدة هناك إلى بلادها.

المراوغات السياسية التي يقوم بها “أردوغان” ليست بمعزل عن المعترك الإنتخابي الخاص بالبرلمان التركي والذي من المزمع إجراؤه في بداية يونيو. والتدخل العسكري المباشر في الحرب في العراق وسوريا لا يمثل مطلباً شعبياً في تركيا، وخاصة حينما تخشى “إسطنبول” من موجة أخرى من اللاجئين السوريين والعراقيين الذين من شأنهم أن يغمروا تركيا. يمكث بالفعل في تركيا أكثر من مليون ونصف لاجئ من الممكن أن يخلقوا توتر اجتماعي واقتصادي هائل.ولا يعتبر تنظيم الدولة الإسلامية تهديد مباشر على تركيا، بل بالعكس، فإن التحالف السني السياسي من شأنه أن يهز القطاع الأكبر من السكان العلويين في تركيا، الذي لا يضاهي نظيره في سوريا، الذي يضم نحو 11 مليون نسمة. في الشهر الماضي احتشد آلاف من أبناء طائفة العلويين الشيعة في “إسطنبول” مطالبين بتحقيق المساواة في الحقوق الدينية، واحتجاجاً على “الطابع الديني الموحد (السني) الذي تتطلع إلي تطبيقه الحكومة التركية. هؤلاء يرون أنه ينبغي ضم أكراد تركيا الذين يبلغ عددهم نحو 20 مليون مواطن والذين يحارب أخوانهم في العراق وسوريا ضد الدولة الإسلامية. تلك هي قوى سياسية لا يُنصح إثارة سخطها قبيل الانتخابات، خاصة وأن هذه الانتخابات التي يطمع أن يحصل فيها حزب “أردوغان” أكثر من ثلثي المقاعد في البرلمان، حتى يتمكن من تغيير الدستور ويتحول إلى رئيس على الطراز الأمريكي.