14-3-2015

زلمان شوڤال

أبسط إجابة على سؤال “لماذا نصوّت لصالح “نتنياهو” هي: أن لا يوجد بديل له. لكننا لن نكتفي بذلك – ناهيك أيضا عن الإشارة إلى ضرورة إنقاذ الاقتصاد الإسرائيلي من الوقوع في نفس مصير اقتصادات دول أخرى، قد انهارت. وكان هناك عوامل ساعدت على ذلك، لكن من حدد الخطوط العريضة للسياسة وأصرّ على تنفيذها كان، ومازال “نتنياهو”.

معيار آخر: الأمن – أظهر “نتنياهو” قيادة عازمة ومسئولة إبان عملية “الجرف الصامد” وفي الأحداث الأخيرة في شمال البلاد، وهو يدير حرب بلا هوادة ضد الإرهاب. لكن يبقى أساس إنجازاته متصل بالنووي الإيراني. بفضل نشاطه العنيد تُجرى اليوم مفاوضات مع إيران ومفروضة عليها عقوبات اقتصادية. ولولا ذلك، لكانت امتلكت إيران على الأرجح سلاح نووي. النضال في هذه المسألة لم ينته بعد وسيواصل “نتنياهو” أيضا في المستقبل التحرك ضد التسلح الإيراني النووي، الذي يمثل تهديداً على وجود إسرائيل.

وبالنسبة لاقتصاد إسرائيل، فتقريبا كافة الاتجاهات في مجال الماكرو (الإقتصاد الكلى) إيجابية؛ فعدد الذين يتم توظيفهم في الاقتصاد يرتفع بشكل منتظم (نسبة البطالة في إسرائيل هي من أقل النسب في العالم)، الإنتاج والتصدير الصناعي يرتفعان رغم الجمود في أوروبا، إجمالي الناتج القومي يرتفع  والنمو أسرع من نظيره في الولايات المتحدة (وبالطبع في أوروبا).

تثبت بيانات دائرة الإحصاء المركزية أنه في الربع الأخير من عام 2014 ارتفع الناتج المحلي بنسبة 7.2% على مستوى الحساب السنوي – رغم عملية “الجرف الصامد”. على كل حال فإسرائيل تواجه بديلين واضحين: إما دولة حديثة، ديموقراطية، ذات اقتصاد حر ومزدهر، برقي الإبداع التكنولوجي والعلمي –  أو دولة ضعيفة من كافة تلك الجوانب، مثل اليونان أو فنزويلا المفلستين.

هناك مجال لانتقاد مسألة أن النجاح الاقتصادي لا ينعكس بشكل كاف على تحسين وضع طبقات بأكملها في المجتمع الإسرائيلي، لاسيما في مجال الإسكان. “الحل” الذي يطرحه “المعسكر الصهيوني” ليس فقط أنه لن يحد من المشكلة بل سيزيد من البيروقراطية وسيؤدي إلى الفساد والعبودية المستمرة للمستأجر للجهات الحكومية. حلول سحرية، بمعنى الكلمة، ما هي إلا خداع.

يطرح “نتنياهو” حل مناسب: الحد من التبعية لسلطة أراضي إسرائيل وزيادة احتياطي الأراضي. تنضم إلى ذلك انجازات رفع الحد الأدني للأجور، وتسهيلات للطلاب في الأقاليم، وتسهيلات للأباء العاملين، وفتح السوق الإسرائيلي أمام التنافس – الذي أدى إلى تخفيض محدد في الأسعار – إنقاذ منظومة التعليم العالي من السقوط، قانون التعليم المجاني للأطفال من سن ثلاث سنوات، إنقاذ صناديق التقاعد والنقابات وتقريب الضواحي للوسط نتيجة المشروعات في مجال المواصلات والنقل.

في المجال السياسي، في فترة حكم أخرى لـ”نتنياهو” يمكنه التطرق بشكل أكثر عملية عما كان في السابق إلى المأزق الكامن بين تهديد “دولة واحد لشعبين” -التي تعرض طابع دولة إسرائيل كدولة يهودية وصهيونية وديموقراطية للخطر- وبين الرؤية الخطيرة “دولتين لشعبين”، التي تعني -في الواقع الراهن في الشرق الأوسط ووسط الفلسطينيين (مع أخذ الأهداف الإيرانية في الإعتبار)- تهديد متواصل على أمننا. من هذا المأزق لا يوجد مخرج قاطع وواضح، كما تثبت خبرة العقود الأخيرة أنه لايوجد شريك في  الجانب الفلسطيني (وربما لا يوجد خيار) لسلام حقيقي ونهائي.

بالإمكان التقدير بان هذه ستكون فترة الحكم الأخيرة لـ”نتنياهو -الذي يصفه الرئيس الأمريكي السابق “بيل كلنتون” في مذكراته بـأنه “سياسي حقيقي”- سيكون “نتنياهو” مستعد جيداً لإيجاد الطريق الصحيح لمواجهة تلك المشكلات.

وبتطرقهم إلى القضايا السياسية والأمنية يؤدي كل من “يتسحاق هرتسوج” وتسيبي ليڤني” أداءا هواة بشكل مدهش، ويظهرون ضحالة فكرية وافتقار إلى فهم العوامل المؤثرة اليوم، والتي ستؤثر الغد، على أوجه العالم – بل وأكثر من ذلك على الاتجاهات في العالم العربي. أدارت “ليڤني” على مدار خمس سنوات، في عهد حكومتين، مفاوضات مع الفلسطينيين ولم تصل معهم إلى شئ – ليس بسبب عدم وجود إرادة من جانبها، بل لأنها تعيش في عالم خيالي لا يلائم أهداف الفلسطينيين الحقيقة. كذلك رجل دعاية ممتاز مثل “رؤوبين أدلر” لن يتمكن من إقناع الجمهور بأن هذا الثنائي غريب الأطوار بمقدوره أن يقود الدولة.

يمثل التحالف مع الولايات المتحدة المقام الثاني من حيث الأهمية في أمننا (بعد مقدرتنا العسكرية والتكنولوجية). حتى وإن لم تكن هناك أزمة حقيقية في القضايا الهامة والعملية – التعاون الأمني والاستخباراتي والتقارب الاستراتيجي – فهناك مجال للتحسينات، والعلاقات بالتأكيد في حاجة إلى التجديد والتعزيز. بإمكاننا أن نفترض أن “نتنياهو” سيبذل قصارى جهده في سبيل هذا الهدف، لكن ينبغي أن نذكر أنه ليس فقط رقصة التانجو تحتاج إلى إثنين، بل أيضا إفساد العلاقات أو تحسينها.

تشكيل قائمة الليكود، حتى وإن كانت ليست مكتملة، أفضل ألف مرة من النخبة المنطوية على إشكالية الخاصة بالمعسكر الصهيوني، والأفضلية الواضحة للجمهور هي أن يكون “نتنياهو” رئيساً للحكومة، مثلما تشير الفجوة الشاسعة – تقريبا إثنان لواحد – لصالحه أمام “هرتسوج”.

“نتنياهو” وطني إسرائيلى وليبرالي متحرر بالمفهوم التقليدي، يكرس مجهوداته في سبيل حرية الفرد، والأسواق المفتوحة وتكافؤ الفرص – وجميعها مبادئ في صلب الديموقراطية.

طرأت تغييرات بالفعل في الليكود منذ تشكيله كحركة قومية – ليبرالية، لكنها لا تُذكر أمام التغيّر نحو اليسار غير الرسمي لحزب العمل، الذي لم يعد له اليوم أية صلة فكرية أو عملية بـ”داڤيد بن جورين” أو حتى “يتسحاق رابين”. أغلب المعسكر الصهيوني هو ركام من أتباع مذهب ما بعد المركسية في المجال الاقتصادي وأتباع ما بعد الصهيونية في المجال السياسي – الأمني. إن الاقتصاد الحر والمشروعات الخاصة، اللذان يعتبران بمثابة أكسجين الاقتصاد السليم والمزدهر والديموقراطية، هما من منظورهما لا شئ، وأسلوبهما السياسي ما هو إلا الإخلاص للمطالب الفلسطينية بدون مقابل لإسرائيل.

إن كنتم تحبون “نتنياهو” أم لا، الاختبارات الأساسية التي تواجه الناخب في 17 مارس هي اختبارين: من سيحقق أمن إسرائيل بشكل أفضل ومن الأنسب في حرصه على استمرار ازدهار ونمو الاقتصاد الإسرائيلي ونتيجة لذلك، رفاهية سكان الدولة.

إن الشعار الانتخابي للمعسكر الصهيوني – “نحن أو هو” – مناسب للغاية. فالناخب الذكي والمسئول سيقرر في 17 مارس: أنه هو.

الكاتب كان عضو كنيست وشغل منصب سفير إسرائيل في الولايات المتحدة مرتان.