13-3-2015

الحاخام د.دوڤ فيشر

وطّد خطاب رئيس الحكومة الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” يوم الثلاثاء الماضي في الكونجرس العلاقات بين دولة اسرائيل وبين الولايات المتحدة، كل شئ أخر تقرأونه قد كتبه من يدعون “مختصون”، يتجمعون معاً مثل القطيع لكي يتأكدوا أنهم يسيرون في نفس الأخدود، ويكتبون نفس التقارير لنفس الجهات الإعلامية المتنوعة، ويشربون الخمر في نفس الحانات، ويتصادقون في نفس الحفلات – لكن القليل من يفهم ديناميكية الحضارة طويلة المدى.

توقع المختصون أن “جورج بوش” سينال هزيمة من “جون كيري” عندما تنافسا على الرئاسة. توقعوا أن “جون ماكين” سيكون المرشح الجمهوري الأقوى للرئاسة بعد أربع سنوات من ذلك. هم من مجدوا من اعتلاء الأخوان المسلمين إلى سدة الحكم في مصر. وناحوا عندما تولى “السيسي” مقاليد الحكم.

هم من أعلنوا أن “ابو مازن” (محمود عباس) رجل سلام. هم من توقعوا أن “أوباما” سينجح في إعادة العلاقات مع “ڤلاديمير بوتين” إلى نصابها عن طريق “تليين الحديث” وإزالة التهديد الواقع على روسيا من المنظومات المضادة للصواريخ التي كانت من المفترض أن تنصب في بولندا والتشيك. هم من أثنوا على “ليبيا الليبرالية” الجديدة التي ساهم “أوباما” في نشأتها عن الطريق (قيادة خلفية) خصصت لإسقاط العقيد “معمر القذافي” واستبداله بنظام جديد “ودود”.

إنهم لا يعرفون عما يتحدثون، وهذا صحيح تقريباً بشكل دائم. إنهم نجحوا تماماً في أن يغضوا الطرف عما حدث في أمريكا يوم الثلاثاء الماضي، عندما وطد رئيس الحكومة العلاقات مع الولايات المتحدة ووصل إلى أعلى مستوى من الوحدة حدث يوماً ما.

صحيح أن هناك أربعين أو خمسين من الديموقراطيين لم يأتوا للإستماع للخطاب، وهناك 10 أو 20 من أبناء أسرتي البعيدين عني ومن أصدقاء الجامعة لم يأتوا لحفل زواجي قبل سنوات طويلة. كان بعضهم خارج المدينة ذلك اليوم، والبعض الأخر كان منشغل بنواحي أخرى في الحياة، وكان هناك من لا يستطيع أن يدفع ثمن رحلة الطيران. لكن أفراد عائلتي الآن يعتبرونني فرد له قدر كبير في العائلة. أما أنا وأصدقاء الجامعة نبذل الآن ما بوسعنا لكي نساعد بعضنا البعض.

بدلاً من التركيز على 40 أو 50 وهي القلة التي لم تحضر هذا الحدث التاريخي، من الأفضل التركيز على التسعين بالمائة الذين حضروا. هل تغيب 8 من أعضاء مجلس الشيوخ عن هذا الحدث التاريخي؟ جيد، لكن هناك 92 عضو من مجلس الشيوخ كانوا حاضرين. هناك 48 من أعضاء الكونجرس لم يحضروا؟ هناك 435 عضواً في الكونجرس، ولذلك حضر 387. حضر90% من أعضاء الكونجرس، وجدير بالذكر أن من تغيب على أي حال لم يكن داعم لدولة إسرائيل في قرارتها الصعبة، ولا يهمه من يرأسها، ولا يهمه أين يكون وضعها، أو ما ستكون القواعد عندما سيحين اليوم الذي يجرى فيه التصويت المصيرى.

نعم هناك ستة من اليهود لم يحضروا. يجب أن يفهم الاسرائيليون أننا بصدد الحديث عن ستة من اليهود الأكثر يسارية في الكونجرس. تعد رؤيتهم السياسية أكثر يسارية من “ميرتس”، وأكثر من صحيفة “هآرتس”، وأكثر من …. ما اسمها؟ “شولاميت ألوني”. “إيل فرانك” وهو فنان كوميدي ويساري متطرف، “يان شكوڤسكي” يسارية متطرفة والأسوء أنها ليست فنانة كوميدية.

“جون يرموث” من ولاية كنتاكي؟ عندما كنت أسكن في ولاية كنتاكي، وكنت شخصية مرموقة في الجالية اليهودية في لوايفيل، كان لي شرف معرفة بسيطة لثلاث عمد مختلفين لولاية كنتاكي – وأنا أقول لكم أن هذا الرجل يبرز المسألة اليهودية عندما يترائى ذلك له. كان جمهوري وحينها أصبح ديموقراطي يدعم “أوباما”. إنه رجل منافق يبدل وجهه. أما “براني سندروس” من ولاية فرمونت رجل يساري بقدر كبير وهو يرفض أن تكون له أية صلة بالديموقراطيين – على الرغم من ذلك تنافس كممثل لحزب اشتراكي أكثر من مرة. تحدثنا كثيراً عن يهود كانوا يفضلون البقاء في مصر عندما خرج الشعب اليهودي.

“ديان فنستاين”، كانت رئيسة مدينة سان فراسيسكو اليسارية سابقاً، والآن عضوة مجلس الشيوخ الأمريكي عن ولاية كاليفورنيا (وهي بالمناسبة ليست يهودية – آبوها يهودى، لكنها لم تمر بعملية تهويد حسب الشريعة)، صرحت لوسائل الإعلام أنها ستحضر خطاب “نتنياهو”، لكنها لن تقفز من مكانها كثيراً كي تصفق لـ”نتنياهو”. أتعرفون؟ وفقاً لما أحصيته، إنها قفزت من مكانها وصفقت خلال الخطاب مرات عديدة حتى أنني تذكرت أنها ترتدي رداء أزرق صافي وسط بحر من البدل وأربطة العنق. إنها لم تستطع أن تسيطر على نفسها في أن تجلس وتقف… ذكرني هذا بصلاة عيد الغفران: ليقف الجميع.

فلتتفضلوا بالجلوس. ليجلس، ليقف الجميع من فضلكم… إجمالاً قطع خطاب رئيس الحكومة الجمهور الحاضر عدة مرات حيث قام الجمهور وهتف له، وسنضيف إلى ذلك توقفات بسبب الهتافات التي لم يصحبها قيام من الكراسي، قطع الكونجرس الأمريكي خطاب رئيس الحكومة “نتنياهو” حوالي أربعين دقيقة بأربعون مرة من الهتافات تقريباً. مرة كل دقيقة، أكثر مما يناله أوباما عندما يتحدث أمام الكونجرس، في خطابه السنوي عن وضع الامة مثلاً.

الأهم من ذلك، أجبر رئيس الحكومة الإسرائيلي كافة الأمريكان أن ينتبهوا لأخبار محدثة من النوع الذي يتجاهله معظم الأمريكان. يحب الأمريكان الأخبار والتقارير حول الحرائق الكبرى، وحوادث القطارات، وملاحقات الشرطة، وسرقة البنوك، والمشاهير الذين يتزوجون أو يطلقون أو عن “أوباما” الذي يخرج للعب الجولف. حتى يومنا هذا لا يعرف الأمريكي العادي أن يفرق بين العراق وإيران. غيـَّر رئيس الحكومة الإسرائيلي هذا يوم الثلاثاء الماضي.

بعد المحرقة النازية، عندما بدأ “أيزنهاور” تحرير معسكرات الإبادة، أسرع رجال في الغرب بقول : “لم نعرف، لم يبلغنا أحد…” إنهم كانوا يعلمون، وهذه المرة توثيق واضح على أنهم كانوا يعلمون، والآن الجميع يعلم. إن إيران هي الداعم الأكبر في العالم للإرهاب الإسلامي. سيطرت إيران على أربع دول عربية أخرى، وهناك دول أخرى واقعة تحت الخطر. إيران تمول الإرهاب من حزب الله وحتى القاعدة. قتلت إيران أفراد البحرية الأمريكان في لبنان وقتلت وجرحت الألاف من الأمريكان في أفغانستان والعراق. هذا النظام الذي لم يعتدل في مواقفه أبداً، يسيطر على إيران منذ أكثر من خمسة وثلاثون عاماً، ولا تلوح نهايته في الأفق. أصبحت إيران بعد “محمود أحمدي نجاد” أكثر خطورة وإجراماً، وليس أقل.

إذا أصبحت إيران دولة نووية، ستسعى كل دولة في الشرق الأوسط لأن تصبح دولة نووية أيضاً. ستصبح اسرائيل معرضة للخطر، والأكثر من ذلك، ستصبح أمريكا ستكون في مدى إصابة إيران، فما بالك أن إيران تواصل جهودها في تطوير صواريخ بالستية عابرة للقارات قادرة على حمل رؤوس نووية تلحق الأضرار بأمريكا. حتى لو حاربت إيران الشيعية داعش السنية، هذه الحالة النادرة التي سيكون فيها عدو عدوك هو الآن عدوك.

الآن الجميع يعلم شيئاً آخر: حتى إذا اضطرت إسرائيل إلى أن تتحرك منفردة، ليس هناك شك أنها ستفعل هذا. عندما يكون “إيلي ڤيزل” شاهد، سيقسم الشعب الإسرائيلي، من خلال رئيس وزرائه علناً، وبحضور أعضاء الكونجرس أن هذه المرة بدلاً من أن يقف مكتوف الأيدي، سيرد الشعب اليهودي، لن يحدث هذا مجدداً. والأهم من ذلك أن المعاديين للسامية في غرب أوربا، وأعضاء برلمان انجلترا، وفرنسا، وألمانيا وبرلمانات أخرى أسوء، شاهدوا جميعاً من خلال بث التلفزيون العالمى، الذي قال فيه رئيس الحكومة الاسرائيلي للكونجرس الأمريكي وبشكل مباشر إنه إذا لم يكن هناك أي خيار ستدافع إسرائيل عن نفسها وحدها، لم يرد الكونجرس الأمريكي بصدمة أو يصمت أو حتى بغضب مكتوم بلا بهتافات صاخبة. وعندما أضاف وقال أنها على يقين أنها لن تفعل ذلك وحدها أبداً لأن الولايات المتحدة ستكون بجانبها، لم يكن رد تسعون بالمائة من أعضاء الكونجرس بالصمت أو بالحرج أو باحساس “كيف يتجرأ أن يفترض افتراضات كهذه” على العكس، نال هذا القول هتافات صاخبة أكثر من أي قول أخر خرج من فم رئيس الحكومة. حتى عضوة مجلس الشيوخ غير اليهودية عن ولاية كاليفورنيا “ديان فينستاين”، قامت ووقفت ببدلتها الزرقاء وصفقت بكل قوة. لم تستطع السيطرة على نفسها.

توقع “المختصون” أن الخطاب سيلحق الضرر بدعم الولايات المتحدة لإسرائيل. عندما ستسنح لهم الفرصة ويشربوا الخمر في الليالي القادمة، أخرجوا أنتم واستعرضوا استطلاعات الرأي العام في أمريكا. هذا ما سيفعلوه في غرب أووربا. هذا ما سيفعله الإيرانيون. علاقات اسرائيل بالولايات المتحدة قوية الأن أكثر من أي وقت مضى. رئيس الحكومة الإسرائيلي هو الرجل المناسب في هذه اللحظة من التاريخ. سنصلى للرب كي يفهم الشعب الإسرائيلي هذا.