13-3-2015

أفي يششخروف

 

المواطن الفلسطيني الذى يشق طريقه في تلك الأيام بين رام الله ونابلس، من الممكن أن يعتقد أن الحزب القوي في إسرائيل هو “ياحاد” الخاص بـ”إيلي يشي”. ولا يمكن تفويت اللافتات التي تحمل صور “يشي” و”يوني شطبون” وأصدقائهم، المتناثرة في مكان في السامرة. وكل مرة يُمكن رؤية صور رئيس الوزراء “بنيامين نتنياهو” أو “موشيه كحلون”. وعلى الرغم من الحضور البارز للسياسيين اليمينيين في الشوارع التي يتحرك عليها الفلسطينيين، فالإنتخابات الإسرائيلية لا تهم مواطني الضفة. من ناحيتهم هذا طقس إسرائيلي يتكرر مرة كل سنتين أو ثلاثة ولا يأتي بأي تغيير. ويُمكن سماع هذا في كل مكان: يميناً ويساراً ترى فقط الرمال والمانزل الجديدة فى المستوطنات غير القانونية. فالمواطن الفلسطينين العادي لا فرق لديه بين هرتسوج أو نتنياهو أو بينيت أو لبيد.

بالطبع الأمر يختلف في القيادة الفلسطينية – إن كان في غزة تحت سيطرة حماس أو في الضفة تحت سيطرة السلطة الفسلطينية وفتح.الإهتمام بالإنتخابات الإسرائيلية هناك كبير، يصل إلى درجة الهوس. فكل حوار مع صحفي إسرائيلي في تلك الأيام حول فرص الأحزاب إلى الأبد، وكل إستطلاع رأي يُنشر في إسرائيل يحظى بصدى كبير في وسائل الإعلام الفلسطينية وخصوصاً وسط صانعي القرار. ولكل من تلك الكيانات – حماستان وفتحلاند – أولويات وطموحات، وأيضا في داخل الحركات أصوات متضاربة متسائلين “من سيكون الأفضل للفسلطينيين؟”. نبدأ بالسطلة ورئيسها:-

الموقف الرسمي لزعيم السلطة الفلسطينية “أبو مازن” هو أن الإنتخابات هي شأن خاص بالمواطنين الإسرائيليين فقط وهو مستعد أن يتفاوض مع أي حكومة يتم انتخابها. وحتى الآن الموقف يبدو رسمياً. ولا شك أن “أبو مازن” كان يريد أن يرى هرتسوج وليفني منتخبين. عباس يعرف الأثنين شخصياً ويقدرهم. فقد تقابل معاهم في لقاءات منفردة ولقاءات عامة. ويعرف مواقفهم ويعتقد أنهم جاديين في نواياهم للوصول إلى إتفاق للسلام مع الفلسطينيين. ومع ذلك فعباس ورجاله القريبين يعلمون مدى ضعف معسكر الوسط – اليسار في إسرائيل.

“اليسار يريد ولكنه لا يستطيع تحقيق إتفاق سلام، واليمين يستطيع ولكنه لا يريد” هكذا قال أحد المسئولين الكبار في حركة فتح في حواره معي. “هرتسوج وليفني جاديين جداً ونرى أنه حسب إستطلاعات الرأي أن الإئتلاف الذى ربما يقومون بتشكيله إن فازوا في الإنتخابات لا يمكنهم أن يسيروا في إجراء تاريجي درامي معناه الإنسحاب إلى حدود 1967. ويحتمل أن ندخل معهم إلى حوار لن ينتهي أبداً ولن يؤدي إلى أي إتفاق، وبينما إسرائيل تنعم بدعم سياسي دولي لأنه من المفترض ظاهرياً ووجود حكومة يسار، لكن حكومة كتلك بالفعل لن تقوم بأى شئ مختلف عما قام به نتنياهو”.

يعكس حديث المسئول الكبير موقف عام خصوصاً بين رجال فتح الأكثر تعصباً، حتى هؤلاء المشاركين في الحوار مع إسرائيل، الذين يعتقدون أن نتنياهو هو الأفضل للعرب”. فمن وجهة نظرهم نجح نتنياهو أن يخدم الهدف الفلسطيني أكثر من أي رئيس وزراء آخر في إسرائيل، وبدونه ما كان للفلسطينيين أن يحصلوا على دعم دولي واسع في إجراءات مختلفة.

قال لي صحفي فلسطيني تابع لحركة فتح: “أنا قررت منذ فترة أن أعلق صورة نتنياهو بجوار صورة عرفات. إن كان هناك شخص ما ساعدنا في الحصول على دعم المجتمع الدولي وتسبب بذلك في أزمة حقيقية مع الولايات المتحدة الأمريكية الحليف الأول لإسرائيل، فهو نتنياهو”. هذا الإتجاه يرى في هرتسوج وليفني تهديد حقيقي على قدرة منظمة التحرير الفلسطينية في التقدم في عملية التوجه إلى مجلس الأمن أو في الإجراءات الدبلوماسية الأخرى.

وفي المقابل يفهم جيداً عباس والمقربين منه الثمن الباهظ الذي يمكن أن يصاحب فوز نتنياهو في الإنتخابات. فمن ناحيتهم إذا كان الليكود سيشكل الحكومة على أساس إئتلاف يميني فالمواجهة أمر لا مفر منه. وقال لي أحد المقربين لأبو مازن أنه في هذه الحالة لا يُتوقع أن تحدث إنفراجة سياسية: فسيستمر بناء المستوطنات وسيقوم الفلسطينيين بتصعيد إجراءاتهم الدبلوماسية في مرحلة معينة في 2015 وسيُوقف التنسيق الأمني.

“ليس واضحاً ماذا سيفعل “بيبي” بأموال الضرائب المعلقة، ولكن حتى إن قرر إعادة تحويل الأموال للسلطة الفلسطينية فلا يعني ذلك بالضرورة أن التنسيق الأمني سيستمر إلى الأبد، بسبب الركود السياسي. ونفهم جميعنا الآن أن تدهور الأوضاع مسألة وقت. وهذا أيضاً على المستوى الأمني. وسنضطر إلى إيقاف التنسيق الأمني وسيتم تصعيد الوضع في المنطقة حتى يعلم أبو مازن نفسه أنه يوقف كل شئ ويعيد المفاتيح لإسرائيل. وهذا سيكون نهاية السلطة، ولكن لن يكون أمامنا أختيار آخر. ونفضل من ناحيتنا أن يبدأ الطرفان في إجراءات تفاوض أفضل من الإنسياق إلى إنتفاضة أخرى. ولكننا نعي أن هذا لن يحدث مع نتنياهو. فأزمة الثقة بينه وبين أبو مازن كبيرة جداً”.

غزة غزة غزة

لدى حماس الأمر معقد. الكابوس بالنسبة لهم هو فوز هرتسوج وليفني ومفاوضات تتقدم نحو السلام مع أبو مازن. إن لا سمح الله حدث هذا فعلاً، فسيكون نهاية الحركة – وأيضاً هناك فقط 22 % من الفلسطينيين يصوتون لحماس إذا أجريت إنتخابات في البرلمان، وهذا حسب إستطلاع للرأي نُشر بواسطة “مركز القدس للإعلام والاتصالات” (JMCC). ومن المتوقع أن تقوم حماس بمقاطعة المفاوضات بأي طريقة حتى لو كلفهم هذا حرب أخرى مع إسرائيل. فإتفاق السلام بين إسرائيل وأبو مازن هو زلزال قوي لحماس، ليس أقل من ذلك.

ومن ناحية أخرى فنتنياهو ويعلون “أفضل لحماس”. وهذه الفكرة التي تنتشر وسط المحللين في غزة، الذين يقولون أنه من الممكن أن يصل الإثنين إلى تفاهمات بعيدة المدى – تشمل وقف لإطلاق النار على المدى البعيد. ويفهمون في حماس أنهم في إسرائيل لا يدركون إنهيار التنظيم في غزة ولا تداعي سلطته هناك. طالما أن حماس تحافظ على الهدوء فهي تمثل الشريك المثالي لنتنياهو – ليتأكد من عدم إطلاق النار تجاه إسرائيل، وتقوية غزة على الأقل بالحد الأدنى، والأهم: يقدم أدلة لا نهاية لها أنه “لا يوجد من يتكلم معه”. أيضاً في عملية “الجرف الصامد”، أرسلت القيادة الإسرائيلية رسائل واضحة لقيادة حماس والتي توضح فيها أنها لا تريد إسقاط السلطة. حتى ضباط الجيش الكبار أوضحوا أثناء القتال لوسائل الإعلام أنهم ليس في نيتهم إستهداف القيادة السياسية للتنظيم. وفي حماس يعلمون أن مصر أصبحت تمثل تهديداً حقيقاً أكثر من إسرائيل وأيضاً أن نتنياهو ويعلون يشعرون بالعداء الشديد تجاه أبو مازن.

الإحتمال الوحيد الذي يبدو في الأفق لإنهاء الحصار عن القطاع، لن يأتي من الجنوب – من ناحية مصر، بل من إتجاه الشمال – من ناحية إسرائيل. بسبب ذلك تدرس حماس بجدية -كما أفاد موقع واللا للأخبار هذا الأسبوع- فكرة التهدئة بعيدة المدى وهى أن تتوقف حماس عن أي عمل عسكري، بما فيها عملية حفر الأنفاق، خلال خمس سنوات ومن ناحية أخرى سيُزال الحصار عن غزة. وسيتحسن الإقتصاد الغزاوي، وتستقر سلطة حماس وطالما أن إسرائيل تحت حكومة نتنياهو فإن المعاملة السيئة لأبو مازن في الضفة ستستمر، وحينها سيضعف موقف فتح هناك.

صانعي القرار الإسرائيليين لا يرفضون بشكل قاطع فكرة التهدئة بعيدة المدى مع حماس. ومع ذلك هذه الفكرة ستخلق توترات مع القاهرة. فقد قال لي مسئول مصري كبير هذا الأسبوع: “في إسرائيل ينسون أن اللص يبقى لصاً، وأن القاتل يبقى قاتلاً. وحماس كانت ولازالت من الأخوان المسلمين. حتى إن وصلتم معهم لتهدئة فسيهاجمونكم في نهاية الأمر”.