18-3-2015

مردخاى كيدار

بفضل بعض المسئولين في الكنيست الأخيرة، وبسبب زيادة نسبة الحسم  أدرك ممثلي الثلاثة أحزاب العربية في الكنيست الـ19 – (الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، والتجمع الوطني الدّيمقراطي، والقائمة العربية المشتركة للتغيير) – أنه لا خيار أمامهم سوى الإتحاد. كان الاتحاد هو أمنية الكثيرين في الوسط العربي في إسرائيل، حيث كان الانشقاق والصراعات الدائرة بين الأحزاب العربية سبباً رئيسياً في أن ينصرف الكثيرون عن فكرة التضامن معها وألا يخرجوا من منزلهم على الإطلاق للمشاركة في انتخابات الكنيست. نسبة مشاركة العرب في انتخابات 2013 كانت 56% مقابل 68% لدى الجمهور الإسرائيلى بشكل عام. الآن منذ أن اتحدت الأحزاب إلى قائمة واحدة، أصبحت هذه القائمة محبوبة للجماهير، وارتفعت نسبة الناخبين العرب بشكل كبير.

صحيح حتى الآن، عدد أعضاء الكنيست الذين تم اختيارهم في إطار القائمة المشتركة هو 14، وهو مايزيد بثلاثة مقاعد عن الكنيست الـ19، وهذه الزيادة ناتجة في الأساس من الإتحاد. ومن المهم جداً الإشارة إلى أنه إذا انضم المعسكر الصهيوني إلى الائتلاف – وهو الأمر الذي لا يبدو واقعيا الآن – لكان الحزب العربي هو العنصر الأكبر في الائتلاف. هذه المرتبة تمنح عدة حقوق لرئيس القائمة، مثل التشاور مع رئيس الحكومة حول الأحداث المصيرية مثل الحرب، أو لقاءات مع زعماء دول يزورن إسرائيل. سواء هذا أو ذاك، أصبح الحزب العربي جهة ذات تأثير في غاية الأهمية لدولة إسرائيل، حيث سيتولى أعضائه كرؤساء لجان في الكنيست ذوو قدرة على جعل حياة الحكومة صعبة جداً.

لكن تأثير القائمة العربية أكبر بكثير، حيث بإمكانهم أن يشكلوا تحولاً فى مسار العلاقات بين عرب إسرائيل والدوله. وهو يشير إلى قرار جماعي واسع النطاق في المجتمع العربي بالمشاركة الفعالة والإيجابية في إدارة الدولة وتحديد جدول أعمالها، رغم المصطلحات الانعزالية والراديكالية الخاصة بالعديد من ممثليها.

زهور لداعش

إن كانت الانتخابات تشير إلى هذا الإطار، فهذا على ما يبدو يمثل رداً على الوضع المروع الذي يشهده العالم العربي وحمامات الدماء التي ينظر إليها عرب إسرائيل بقلق شديد في السنوات الأخيرة. الأزمة في العالم العربي تدفع جزء مؤثر من الأقلية العربية في إسرائيل للإعتراف بأن دولة إسرائيل – رغم أنها ليست هي منية قلبه – هي الدولة الطبيعية الوحيدة في الشرق الأوسط؛ التي تحترم مواطنيها، العرب مثل اليهود، حتى وإن كانت هناك إدعاءات عادلة ضد الدولة، إلا أنها لا تزال البديل المفضل لديهم. هم، ككتلة واحدة، لا يريدون الانضمام إلى الدولة الفلسطينية، حيث أنهم يدركون جيدا أن الحياة في إسرائيل الديموقراطية أفضل من الحياة في أية دولة عربية.

غير أن هناك مسألة أخرى، ولا تقل أهمية عن سابقتها؛ القائمة المشتركة قدمت الوسط العربي على أنه وسط لا يعارض اليمين الإسرائيلي فحسب بل أيضا يعارض اليسار. الشعور السائد في الشارع العربي هو أن أعضاء الكنيست العرب لا ينتمون إلى أية كتلة سياسية، ولا حتى إلى الكتلة اليسارية. وقد بدأت تظهر أقاويل من هذا القبيل حينما أطلق حزب العمل والحركة على قائمتهما المشتركة اسم “المعسكر الصهيوني”. وأساس التسمية “صهيوني” يتعارض تماماً مع توجهات كافة الأطراف في القائمة المشتركة العربية، وهذا الاسم – رغم كونه جذاباً للجمهور اليهودي – إلا أنه لا يشجع العرب للتعاون معه.

سيختبر العرب الكتلة اليسارية بالأفعال وليس بالكلام. صحيح أنه في حالة دخول “هرتسوج وليڤني” في المعارضة لن يكون لديهم مهمات عدة ليتقاسموها مع النواب العرب، ولكن مع هذا، تمنح المعارضة أعضاء الكنيست المتواجدين فيها – عرب أو يهود على حد سواء – خيارات التعاون، ضد الحكومة. وفي حالة تعاون المعسكر الصهيوني بشكل تام ومنسجم مع الحزب العربي، سيكون هذا التعاون أساساً لتعاون في المستقبل، إذا حدث وأصبح اليسار جزءاً من الائتلاف يوماً ما.

تتضح الصورة من الجانب اليهودي للخريطة السياسية الإسرائيلية؛ فالجمهور اليهودي يميل بشكل واضح إلى اليمين وقد منحه قرابة الـ43 مقعداً في الكنيست، في الأساس بسبب القضايا الأمنية. الجمهور العربي ينظم صفوفه ويتحد بـ13 عضو كنيست. وهناك كتلة يسارية آخذة في الانكماش، ببطء ولكن بانتظام، بـ29 مقعد في الكنيست، وكتلة الوسط الآخذة في التزايد ومنقسمة إلى أحزاب صغيرة بـ21 عضو كنيست. وقد أثبت الشعب الإسرائيلي لنفسه ولجيرانه أنه ليس واهما بشأن شرق أوسط جديد، وقد أعلن أيضا “نتنياهو” في الأيام الأخيرة عن تراجعه عن خطاب “بار – إيلان” في 2009.

يُصدّر الشرق الأوسط اليوم للإسرائيليين بشكل خاص مخاوف وتهديدات، ولا يُصدّر فرصاً وبالطبع لا يُصدّر سلاماً. غير أنه من المهم أن نترجم نتائج الانتخابات إلى حقائق على أرض الواقع، على سبيل المثال – أن ندفع وننفذ فكرة الثماني إمارات العربية؛ واحدة في قطاع غزة قائمة منذ يونيو 2007، وباقي السبع إمارات يجب أن تقع في مدن الضفة الغربية العربية. لقد حان الوقت لأن نضع هذه الخطة على جدول الأعمال الحكومي السياسي، لأننا بإمكاننا أن نفعلها Yes, we can.

ومن المثير للإهتمام أن نرى أيضا ردود الأفعال في العالم العربي والإسلامي على انتصار “نتنياهو” والليكود؛ هناك إجماع في وسائل الإعلام العربية حول القلق على عملية السلام، وخاصة إزاء إعلان “نتنياهو” الأخير بأنه يتراجع عن فكرة إقامة دولة فلسطينية. وينظر الكثير من العرب بقلق بالغ إلى تقويض الإسرائيليين للحلم العربى بالقضاء على إسرائيل، وأدان المتحدثون الفلسطينيون الرسميون بغضب القرار الإسرائيلي، لأنهم يخشون من ضياع أملهم في إقامة دولة على أطلال دولة إسرائيل. فعلى سبيل المثال من الممكن أن نجد تصريحات مثل “جبريل رجوب”، الذي وصف (كعادته) الجمهور الإسرائيلي بأنه “فاشي وعنصري”.  كما أعلن “صائب عريقات” أن “الجمهور الإسرائيلي اختار دفن عملية السلام وصوّت ضد حل الدولتين”. في حين علّق المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية قائلاً: “كافة أحزاب النظام الصهيوني لديها طبيعة عدائية”، على الرغم من أنه سيكون هناك شعور بالراحة سينتاب النظام الإيراني في حالة عدم فوز “نتنياهو”. وبالنسبة للإدارة الأمريكية، يبدو أن هناك قلق مستشر، و”جون كيري” لايعلق على هذا الأمر في هذه المرحلة. بعد كل هذا، كيف يمكنه أن يتفوّه بكلمة ضد القرار الجمهوري الذي اتخذه جمهور حر؟

في مقابل ذلك، في السعودية، ودول الخليج ومصر لم تُذكر ردود أفعال واضحة بالنسبة لنتائج الانتخابات. وسط رؤساء الدول، يمكننا أن نقول بأن هناك سرور كبير بسبب فوز “نتنياهو” واليمين. هذا السرور غير معلن، خاصة للإعلام، بل إنه كامن في عمق الأمل بأن نتنياهو – الذي منحه الجمهور الإسرائيلي مطلق الحرية في التصرف في الملف الأمني – سيقوم أخيراً باتخاذ خطوات بخصوص الملف الإيراني. نتذكر في العمود الذي كتبه رئيس تحرير الموقع الإخباري السعودي “العربية” فيصل عباس بعد الخطاب في الكونجرس، حيث أعرب فيه عن تأييده غير المسبوق لـ”نتنياهو حين قال “لقد أصاب نتنياهو الهدف”، “ببضعة كلمات نجح السيد “نتنياهو” في تلخيص الخطر الجلي والمباشر بشكل دقيق، ليس فقط تجاه إسرائيل (التي تتصدر اهتماماته)، بل أيضا تجاه بقية حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة. وإن نجح في مواجهة المعارضة العنيدة التي يظهرها البيت الأبيض على خطابه في الكونجرس وأثبت بذلك أنه شجاع، إذا ماذا ستمثل لديه مواجهة إيران؟

وكما كشف مؤخراً في حوار صحفي مع “واشنطن بوست”، يعتبر الرئيس المصري “السيسى” “نتنياهو” شريكاً في الحرب الضروس ضد الإرهاب الإسلامي في غزة وسيناء، وهو يفضل – بشكل غير معلن بالطبع – استمرار العمل مع “نتنياهو”. وعلى عكس السيسى نجد أن المملكة الأردنية الهاشمية تبدو قلقة بشدة من انتصار اليمين وبعد فرصة إقامة الدولة الفلسطينية، لأنه في حالة عدم قيام دولة في الضفة الغربية – أي في قلب أرض إسرائيل – سيعود الفلسطينيون ويطرحوا فكرة “الوطن البديل”، أي دولة فلسطينية في شمال غرب الأردن.

ووسط اضطراب المصالح، والمخاوف، والآمال وهذا التلون، الذي يغمر العالم العربي الغارق في أزمة عميقة ونازفة، تحاول إسرائيل أن تبني لنفسها مستقبل آمن ومستقر، باقتصاد مزدهر ومجتمع ديموقراطي ومنتفح. وقد فضّل عرب إسرائيل دولة إسرائيل، وقرروا الانضمام بشكل واضح للمنظومة السياسية الإسرائيلية. وأداروا ظهورهم للعالم العربي الذي خزلهم، ويفضلون العمل على تحسين وضعهم في دولة إسرائيل على حالها، قومية، واثقة بنفسها تنظر إلى المستقبل بتفاؤل.

رابط الخبر