روتيم شتاركمان

تداخل الجغرافيا والديمغرافيا والايدلوجيا في الانتخابات الاسرائيلية

كيف ولماذا صوت الناخبين؟؟

ليس نتنياهو فقط الذى لم يعلن عن برنامجه (هناك من يتندر، ويقول بأن هناك حتى الآن بعض الإقتصاديين يعملون بجهد كبير على برنامج الليكود، وهو على وشك الخروج للنور). ببساطة علم نتنياهو أنه لا أحد يهتم لهذا، بإستثناء بعض رجال الإعلام هنا وهناك. كما أن السياسات والأيديولوجيات والوعود وخطط العمل لا تمثل أساساً لقرار التصويت لدى الناخب الإسرائيلى.

إنتخابات 2015 مثل إنتخابات 2013 أثبتت أن التصويت في إسرائيل يحدد وفق نسيج من الهويات والإنتماءات – وليس وفقاً للمواقف أو الأفكار أو وجهات النظر. ولاتزال دولة إسرائيل ونحن فى العقد الثاني من الألفية الثالثة دولة قبلية متفرقة ومنقسمة. وفى الواقع يبدو الأمر هنا وكأن هناك دول موازية ذات هويات ثقافية واجتماعية مختلفة.

هذه ليست فقط دولة اليمين ودولة اليسار مع الفجوات الجيوغرافية الموجودة – اليمين في الأحياء وعلى أطراف المدن الكبيرة وفي المدن المتوسطة والضواحى، واليسار في مستوطنات الوسط الغنية. هذه ليست فقط دول تل أبيب ودولة القدس فهناك أيضاً دولة المستوطنين ودولة الحريديم ودولة العرب. إذا كانت عملية الجرف الصامد قد أظهرت الإستقطاب بين اليهود والعرب، فإنتخابات 2015 أظهرت الإستقطاب بين الشعب الإسرائيلي بشكل عام. وبهذا المعنى فإن نجاح كلمة “كولانو” (كلنا) (التي قالها كحلون) في الإنتخابات أمر مثير للسخرية. ليس هناك ” كلنا” واحده ولكن هناك العديد من “كلنا”.

على الأقل هناك خمس دول مختلفة إلى جانب بعض الدول التابعة الصغيرة للغاية، تدار كل منها إلى جانب الأخرى، ولكل دولة مستوطنات تخصها، ولغة وإدارة وصحيفة. والناخبين في كل دولة من هذه الدول لديهم فكرة عن التوجهات التى تريد الأحزاب وزعمائها أخذنا إليها، يعرفون عن كل شيئ فى العالم، وهم يغضبون على الحكومة أو يحفزوها لإتخاذ خطوات وإصلاحات. إلا أن ذلك كله ببساطة يتم إهماله عندما يدخلون إلى مقار الإقتراع للتصويت.

رئيس الوزراء “بنيامين نتنياهو” قد أقنعنا بالتهديد الإيراني – لكن إيران ليست موجودة في إعتبارات التصويت ( لحسن حظ نتنياهو أنه فهم هذا بعد خطابه في الكونجرس وتناسي إيران). وأيضاً الإحتجاج الإجتماعي على غلاء المعيشة وأسعار الإسكان وميزانية الأمن أو أزمة الصحة والتعليم، كل هذا لم يكن له وجود فى لجان الإقتراع. عدد الأسِرة في عنبر بمستشفى وعدد الأطفال في الفصل مهم، ولكن ليس عنصراً في الإنتخابات، ماذا أيضا؟ الإنتماء لجماعة دينية أو طائفية أو طبيقة وفيها كراهية وعنصرية وإنكار للآخرين. ليست المشكلة في الحملة الإنتخابية السيئة التي قام بها اليسار أو حملة “أنقذوني” الناجحة التي نفذها نتنياهو. بالفعل تلك أدت لنقل مقاعد من هنا إلى هناك. ولكن من الواضح ان هناك أمور فى إسرائيل أعمق بشكل أكبر مما تبدو عليه.

  1. جار غني وآخر فقير

ثلاث مستوطنات قوية وغنية فى السلسلة الغنية – السلسلة التي توجد على القمة في المستوى الإقتصادي والإجتماعي وفقاً لمعلومات دائرة الإحصاء المركزية وهى سافيون وقرية شمرياهو وعومر. وأي إئتلاف  كان مستقراً هناك؟ بالطبع إئتلاف اليسار القوي والثابت.

في سافيون حصل المعسكر الصهيوني على 44 % (أكثر من ضعفى ما حصلت عليه الحركة وحزب العمل معاً في الإنتخابات السابقة)، حزب “ييش عاتيد” حصل على 17.4 %، وميريتس حصل على 9 % (11 مقعد).إئتلاف الثلاث أحزاب فى كتلة اليسار يبلغ في سفيون 84 مقعد (مقابل 39 مقعد في النتائج الحقيقية المحلية).

وفى المقابل، في أور يهودا، (فى وجود فجوة إجتماعية إقتصادية لخمس طبقات)، حصل الليكود على 40 % من الأصوات وحصل حزب “شاس” على 14 % (57 مقعد للحزبين). في منطقة عومر، حصل المعسكر الصهيوني وحزب “ييش عتيد” و”ميرتس” مجتمعين على 72 مقعد، وفي قرية شمرياهو تجاوز المعسكر الصهيوني 50 % والليكود انخفض إلى 13 %. والنتاائج مماثلة أيضاً في مستوطنات الطبقة التاسعة القوية – رمات هشارون وجفعتايم وكريات تفعون وقرى أخرى.

وكيف تبدو الإئتلافات في مستوطنات الطبقات الفقيرة جداً؟ هذا أمر بسيط. فالحديث هنا عن مستوطنات حريدية سيطر عليها حزبى يهدوت هاتوراه وشاس دون أدنى شك، ومستوطنات البدو والعرب التي تسيطر عليها القائمة المشتركة، حصل أيمن عودة في تل شيفع على 90 % من الأصوات ويعقوب ليتسمان حصل فى موديعين عيليت على 75 % من الأصوات.

  1. تحت طائلة صواريخ القسام

سدروت، مدينة بها الكثير من الأزمات الإقتصادية والإجتماعية وصواريخ القسام (حتى أن سيد الأمن وسيد الإقتصاد لم يفلحا في إيجاد حل لها)، فاز الليكود بـ 43 % من الأصوات (52 مقعد). والمعسكر الصهيوني حصل فقط على 7.5 %، ولن نتكلم عن خسارة لبيد وميرتس في المدينة التي يقطن فيها “عمير بيريتس” و”إيلي مويئيل”. والوضع في سيدروت مماثل لباقي مدن التطوير والتي يسكن فيها نسبة كبيرة من السفارديم  (اليهود الشرقيين). وفي كريات شمونه على سبيل المثال حصل الليكود على 39 % من الأصوات والمعسكر الصهيوني أقل من 10 %.

نتيفوت هي بشكل عام دولة فى حد ذاتها. مدينة الحاخامات منحت الليكود تقريباً 30 % من الأصوات، وشاس 23 % ويحاد الخاص بـ”إيلي يشي” 19 % (23 مقعد). نتنياهو ويشاي ونفتالي بينيت وأريه درعي ويعقوف ليتسمان وموشيه كحلون حصلوا على حوالى 116 مقعد في مدينة نتيفوت. هرتسوج وتسيبي ليفني كادوا أن يدخلوا أنفسهم فى كنيست نتيفوت بصعوبة شديدة (بشرط أن يتم خفض نسبة الحسم إلى 2 %).

ضربت مستوطنات غلاف غزة في العامين الأخيرين بالصواريخ تماماً كما حدث في سيدروت (وأيضا في نتيفوت ضربتها العديد من الصواريخ)، ورغم كل هذا أعطوا (كما هو متوقع) صوتهم لكتلة اليسار. ومنطقة “نحال عوز”  التي قُتل فيها الطفل “دانييل ترجرمان” البالغ من العمر 4 سنوات أثناء عملية “الجرف الصامد”، نتيجة إصابته بقذيفة، أعطت للمعسكر الصهيوني 57 % من الأصوات ولبيد 16 % وميرتس 9.5 % – مشكلين معاً حوالي 84 مقعد. وحصل الليكود في مستوطنة “نحال عوز” على أقل من 5 % – تقريباً مثل “عاليه ياروك”.

  1. 70 مقعد لكتلة اليسار في تل أبيب

في حكومة تل أبيب لم يكن التناوب بين هرتسوج وليفني فعالاً. فقد كان الإثنان سينجحان في تشكيل الإئتلاف بين المعسكر الصهيوني (34.3 %)، وميرتس (13 %) ولبيد (11.5 %)، بإجمالي 70 مقعد. حكومة القدس لو كانت تتشكل من الإئتلاف الذي يسعى إليه نتنياهو الآن (بإضافة يحاد) لكان أكثر استقراراً من حكومة اليسار في تل أبيب – 93 مقعد (الليكود بنسبة 24.2 %، يهدوت هتوراه بنسبة 21.1 % وشاس بنسبة 12 % والبيت اليهودي بنسبة 8.3 % وكولانو بنسبة 4.7 % ويحاد بنسبة 7.18 %). وفاز “ييش عتيد” في العاصمة بنسبة 4 % فقط تقريبا مثل ميرتس.

  1. هرتسوج هو لبيد الجديد

في “يديعوت أحرونوت” الجريدة الأم للبيد في الإنتخابات السابقة، أستولى كل من هرتسوج وليفني على مكان لبيد، حتى فى النتائج الحقيقية أيضاً. فالاتحاد بينهما أدى إلى فوز ساحق في مستوطنات الطبقة المتوسطة والغنية، مثل إنجاز لبيد في 2013 وأكثر من ذلك فى مستوطنات أخرى. في رعنناه هبط لبيد من 24 % إلى 14 %، والمعسكر الصهيوني زاد من 22 %  إلى 32 % –  وهى بالضبط نفس نسبة الـ 10 % التي فقدها لبيد.

قيسارية الغنية والتي بنى فيها رئيس الوزراء بيته الدائم (إذا ما غادر المقر الآيل للسقوط)، منحت “هيرتسوج” و”تسيبي” 37.6 % من الأصوات (45 مقعد) وها هو الليكود قد فقد 22.8 %. في الإنتخابات السابقة حصل لبيد في قيسارية على حوالي 30 % من الأصوات، وحزب العمل برئاسة “يخيموفيتش” فقط 13 %. وييش عتيد هبط في قيسارية إلى 17 %.

في المستوطنة التعاونية المستقرة “نير تسفي” حصل لبيد في الإنتخابات السابقة على 35 مقعد ولكن هذه المرة حصل على 22 فقط. وحصل هرتسوج في نير تسفي على 55 مقعد (20 مقعد أكثر من العمل ويحاد في الإنتخابات السابقة). وأيضاً “ريكي كوهين” فى الخضيرة وهي التى كان يتحدث عنها لبيد في بداية منصبه، ووعد بالإهتمام بها، شعرت بخيبة الأمل من وزير المالية السابق، في إنتخابات 2013 أعطته الخضيرة 16 % من الأصوات وفي إنتخابات 2015 أعطته فقط 9.8 %.

في ديمونة مدينة “ميئير كوهين” وزير الرفاه والخدمات الإجتماعية التابع لحزب ييش عتيد، حصل الليكود على 41 % من الأصوات – 28 % أكثر من الإنتخابات السابقة. وهبط ييش عتيد في ديمونة من 14 % إلى 9 %. وفشل لبيد ذريع وفقاً لهذا. فقد أضاع 200 ألف صوت وأكثر من 40 % من قوته في الكنيست وينتقل إلى المعارضة بعد أن حصل على أحد المهام القوية في الإقتصاد – وأضاع أيضاً مكانه كزعيم القبيلة البيضاء على الأقل في هذه المرحلة، لهرتسوج وليفني.

  1. المدن المختلطة – هل تكون نموذج لإسرائيل في المستقبل؟

على خلفية التصريحات الفظة التي قالها نتنياهو في الأيام القليلة الماضية ضد العرب – تصريحات من شأنها أن تزيد الفجوة بينهم وبين الدولة والديمقراطية – من المثير جداً بحث النتائج في المدن مزدوجة القومية في إسرائيل. فعلى سبيل المثال، عكا ومعالوت ترشیحا والناصرة والرمله نجد صورة لإستقطاب خاص بجمهور كبير انتخب اليمين، وبجانبه نسبة كبيرة من المصوتين للقائمة المشتركة. هل هذه هي دولة إسرائيل المستقبلية؟

الليكود في عكا حصل على سبيل المثال على نسبة كبيرة 30 % من الأصوات، والقائمة المشتركة حصلت على 26 %. وحصل “اسرائيل بيتنا” الخاص بــــ “ليبرمان” الذى يكره العرب، في عكا على أكثر من 10 %، وشاس فاز بـ 7.5% والبيت اليهودي بـ 4.3 %. كتلة اليسار، بالإضافة إلى كحلون، حصلت على أقل من 20 مقعد في عكا. الرملة (التي تتبع بالفعل نير تسفي اليسارية)، أعطت للليكود 40 % (حصل المعسكر الصهيونى فيها على 8 % فقط من الأصوات، وييش عتيد على 4.5 %).

وفى عكا والرملة أيضاً نجد أن القائمة المشتركة هي ثانى أكبر الأحزاب، فقد حصلت على 15 % من الأصوات. وفي المستوطنة المختلطة معالوت ترشيحا يتنافس الليكود والقائمة المشتركة وجهاً وقد حصلا على 23 % و 20 % على التوالي. وفي الناصرة حصلت القائمة المشتركة على 92 % من الأصوات، وفي الناصرة العليا حصل كل من الليكود وليبرمان معاً على 48 % والقائمة المشتركة على 16 %.

من يعتقد أن حملة القائمة المشتركة الإيجابية ستجلب لها نجاحاً وسط المصوتين اليهود، فهو مخطئ. حتى في تل أبيب المدينة العلمانية الليبرالية حصلت القائمة المشتركة تقريباً على نفس النسبة التى حصلت عليها الأحزاب العربية في الإنتخابات السابقة (بما فيهم عرب يافا). وفي القدس لا يوجد أي تمثيل للقائمة المشتركة (1.2 %)، ولم يكن العرب موجودين أيضاً في المدن الأخرى التي كانت فيها نسب التصويت مرتفعة لأحزاب اليسار.

6.المدن الكبيرة فى جيب الليكود (باستثناء تل أبيب وحيفا)

لا يوجد أدنى شك أن فوز الليكود في الإنتخابات كان ساحقاً – فقد فاز في ثمانية من عشرة من المدن الكبيرة (بإستثناء تل أبيب وحيفا). بالفعل نسبة التصويت للليكود إقتربت من النسبة التى حصل عليها في الإنتخابات السابقة عام 2013 (23.26 % مقابل 23.34 % على التوالي)، إلا أنه حقق ذلك هذه المرة  بدون حزب اسرائيل بيتنا، الذي حصل وحده على 5.2%. وهناك أكثر من 900 ألف من المصوتين صوتوا لصالح الليكود، وبذلك تكون هناك نسبة زيادة 30 ألف صوت مما حصل عليه كل من نتنياهو وليبرمان معاً في الإنتخابات السابقة.

فشل كتلة اليسار يثير شعور جيد في الضواحي والأحياء التي لا يوجد له تمثيل بها. فعلى سبيل المثال في بئر سبع التي فاز فيها “روبيك دانيلوفيتش” رجل حزب العمل في إنتخابات البلدية بنتيجة تشابه النتيجة التى حصل عليها الأسد في الإنتخابات السورية، حصل المعسكر الصهيوني على أكثر من 12 %، والليكود يفوز بـ 38 %. الصورة في بئر سبع تشبه نتائج مدن مثل بات يام ونتانيا وعفولا وحولون والخضيرة وحيفا وأشدود وأشكلون.

  1. بزخوتان* الظهور الإعلامي والفشل فى صناديق الإقتراع

بزخوتان، حزب النساء الحريديات حصل على ظهور مناسب في وسائل الإعلام العلمانية ولكن هذا لم يساعده في الإنتخابات. في القدس حصل بزخوتان فقط على 0.1 % من الأصوات بما يعادل 253 صوت. في بني باراك سجل الحزب فشلاً ذريعاً بـ 0.04 % من الأصوات (30 صوت) – حتى أنه اقل من عاليه ياروك وميرتس – وفي موديعين عيليت حصل على 8 أصوات فقط، أى أقل من لبيد كاره الحريديم بصوتين.