أوريت بيرلوڤ

 

في مطلع عام 2015، تشهد إسرائيل حالة من الهدوء أمام اثنين من اللاعبين الذان دخلت معهما في مواجهة عسكرية في الأشهر الأخيرة. الحرب على “حماس” في غزة في صيف 2014 وكذلك الهجمات المتبادلة بينها وبين “حزب الله” على الساحة الشمالية التي وقعت في يناير 2015، والتي وصلت إلى وقف مؤقت ولم تتجدد. وفقاً لتحليل خريطة المصالح الشاملة، لا أحد من الأطراف – إسرائيل وحماس وحزب الله – لديه الآن تطلع إلى بدء جولة قتال أخرى. ولكن، وفقاً لتخطيط القوات التي تعمل وتؤثر على الاعتبارات الاستراتيجية للاعبين، وبالأخص وفقا للمزاج العام في غزة، وفي مصر وسوريا، وكما ينعكس من شبكات التواصل الاجتماعي، يتضح أنه في حال استمرار التوجهات الحالية على الساحتين ورغم انعدام الرغبة المشتركة، نجد أن وقوع مواجهة في المستقبل القريب – هو أمر حتمي على مستوى الساحتين.

وفى ضوء ذلك يجب أن نسأل كيف توجد إسرائيل اليوم فى وضع متناقض، لاتهتم فيه التنظيمات المضادة بمسالة الحرب على إسرائيل –والتى لا تهتم بها إسرائيل نفسها- وليس لديها الشرعية لعمل ذلك من جانب، وما يحدث فى غزة وجنوب سوريا يشير إلى أن وقوع مواجهة عسكرية على كلتا الجبهتين أمر غير مستبعد فى المستقبل القريب من جانب آخر. لماذا إذن نجد أن اللاعبين الثلاثة الذين لديهم نفس المصلحة وغير مهتمين بوقوع هذه المواجهة، قريبون منها جداً؟

 

 

قِدر الضغط الغزاوي

وحتى نفهم الواقع السياسي في قطاع غزة، علينا أن نركز علي مشهدين رئيسيين يؤثران على “حماس”. المشهد الأول والأكثر تأثيرا بين الإثنين هو سياسات مصر، على شكلها الحالى في عهد الرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي”. ترى مصر في الإخوان المسلمين وحماس تهديداً على أمنها. فحينما انتُخب “السيسي” لمنصب الرئاسة أعلن أنه “لن يكون هناك شيئاً مماثلاً اسمه الإخوان المسلمين في عهده”.

هذا المنهج يُطَبق من اللحظة التي وصل فيها “السيسي” للحكم بصورة مستمرة، بل واشتدت وتيرته بعد موجة من الاتفجارات الدامية في سيناء في شهر يناير 2015، والتى راح ضحيتها أكثر من ثلاثين شخص بينهم جنود وضباط ومواطنين مصريين من قبل الجماعة السلفية “أنصار بيت المقدس”. وجّه النظام المصري أصابع الاتهام إلى الإخوان المسلمين بسبب ممارستهم للعنف في أعقاب سلسلة الإعتداءات في سيناء، رغم عدم وجود صلة مباشرة بين الإخوان المسلمين – سواء من الناحية الأيديولوجية أو العملياتية – وبين التنظيم الذي بايع تنظيم “الدولة الإسلامية”. واتهم الجناح العسكري التابع لحركة “حماس” بالمشاركة في العملية الإرهابية وأن بعض الأسلحة التي تم رصدها على الساحة جاءت من غزة. وفي نفس السياق، أصدرت المحكمة في القاهرة حكماً يقضى بأن الجناح العسكري لحماس، “كتائب عز الدين القسام”، تنظيم إرهابي، وتم بالتوازى، ممارسة ضغط إعلامي وشعبى للتصدي لهذا التنظيم – كما تشجع القنوات المصرية أيضا “السيسي” على ضرب “حماس” حتى ولو استدعى الأمر الدخول إلى غزة.

كل هذا يندرج تحت مسمى العداء القائم بين القاهرة وبين السلطة الحاكمة في غزة ويرسخ التقديرات السائدة في شبكات التواصل الاجتماعية والتي تفيد بأن مصر في عهد “السيسي” لا تريد أن ترى غزة يُعاد إعمارها تحت حكم حماس بعد عملية “الجرف الصامد”. والأدهى من ذلك، يتضح من الشبكات الاجتماعية أن إسرائيل من وجهة نظر مصر “لم تقم بإنهاء عملها” وأنها ترغب في إسقاط نظام حماس في غزة.

العنصر الثاني، وهو ذو أهمية ثانوية، والذي لا يترك خياراً أمام حماس، هو ميزان القوى الداخلي فى مواجهة السلطة الفلسطينينة. وحتى الآن اتفاق المصالحة بين الضفة الغربية وغزة ليس حقيقياً، ولا شك أنه على ضوء ذلك عودة السلطة الفلسطينية لحكم غزة احتمال غير قابل للتحقيق. إن دمج الوضع العصيب الذي تشهده غزة في أعقاب عملية “الجرف الصامد”، في نفس الوقت مع خطوات مؤثرة من قبل مصر التي تهدف إلى تضييق الخناق على حماس ( إنشاء قطاع أمني في الجانب المصري على حدود قطاع غزة مع سيناء ورفح، وغلق المعبر وهدم البيوت في رفح، وتطلع النظام المصري إلى القضاء على حماس)، وكذلك تعليق نقل الأموال من قبل السلطة لحماس وتجميد أموال المعونة من جانب الدول العربية اللازمة لإعادة إعمار غزة، كل هذا يؤدي إلى ضعف إدارة حماس في غزة من جانب، وسخط وغضب شعبي في غزة من جانب آخر.

يتضح من خلال الحوار في شبكات التواصل الاجتماعي فى غزة أن الصورة قاتمة ، وغزة على وشك الانهيار كقنبلة عنقودية قد نزعت منها تيلة الأمان. وعليه، فرغم أن حماس ليست معنية بالدخول في حرب جديدة، إلا أنها تشهد ضائقة وتنجرف في منحدر زلق، والذي في نهايته قد يضطر أن تفضل الإصطدام وجها لوجه مع إسرائيل حتى تتخلص من الضائقة التنظيمية ومن الإنتقادات الشعبية في القطاع.

المعادلة الشمالية – لعبة المجموع الصفري

توجد على رأس جدول أعمال “حزب الله” ثلاثة تحديات، ليس من بينها الدخول مع إسرائيل في صراع مباشر وهى:-

  • لا يوجد رئيس لبناني منذ مايو 2014، وفى ضوء ذلك، يشعر “حزب الله” بالإنزعاج من إجراء حوارات مع حزب “المستقبل” الذي يهدف إلى تشكيل تفاهمات من شأنها أن تسوي مسألة الرئاسة وفي نفس الوقت تضمن مكانة التنظيم في الدولة.
  • يسعى “حزب الله” إلى القضاء على الزحف المتمدد للراديكاليين السنة، بقيادة “جبهة النصرة” و”الدولة الإسلامية إلى داخل لبنان.
  • تتطلب الحرب التي يديرها “حزب الله” في سوريا بهدف الدفاع على نظام “بشار الأسد” وإضعاف معارضيه استثمار ضخم من الموارد – طاقة بشرية وأسلحة – كما أن ثمنها العسكري والسياسي كبير.

يواجه “حزب الله في العام الخامس من اندلاع الحرب الأهلية في سوريا مأزقاً استراتيجياً جوهرياً. وقد ثبّت الثوار بقيادة “جبهة النصرة” أقدامهم على هضبة الجولان من القنيطرة جنوباً، في حين ازدادت سيطرة “حزب الله” على شمال المنطقة. يمثل تقدم الثوار شمالاً، نحو دمشق والحدود السورية اللبنانية، تهديداً استراتيجياً على نظام “الأسد” وعلى محور “إيران – سوريا – حزب الله”، ليجد “حزب الله” نفسه مضطراً إلى التحرك للتصدى لتقدم الثوار وأن يجعلهم يتقهقروا من المنطقة التي ثبتوا أقدامهم فيها، وبالفعل بدأ في خطوة عسكرية مع قوات “القدس” الإيرانية في محافظة “درعا”.

إسرائيل تنظر بقلق إلى ترسيخ البني التحتية لـ”حزب الله” بدعم إيراني في هضبة الجولان. وفي أية سيطرة إقليمية لـ”حزب الله” في الجولان يزداد التهديد ضد إسرائيل. وإن قدرت إسرائيل أنها أمام تهديد حقيقي، فسيزداد الإحتمال بأن تتحرك لتقضي عليه. وبناء على ذلك، إن تحرك “حزب الله” لتحقيق تطلعه بالسيطرة على هضبة الجولان، حينها سيكون من المتوقع أن يجد نفسه في مسار تصادمي مع إسرائيل.

  خاتمة

بالرغم من التباين المزدوج، على المستوى الجغرافي والاستراتيجي، سواء على الساحة الشمالية أو على الساحة الجنوبية، فليس هناك اهتمام لدى أي الأطراف في التصعيد. وفي مقابل ذلك، يمكننا القول بأن الحالتين اللتان وقعتا في المنطقة، وخاصة تصاعد الجهاد السلفي، يخلقان انعكاسات متسلسلة تُحْدِث صدى عميقاً على المستوى الإقليمى، وتزعزع بشكل غير مباشر الاستقرار في ساحة القتال بين إسرائيل وجيرانها.  تصارع جماعة “أنصار بيت المقدس” النظام المصري في شبه جزيرة سيناء ، وتسعى إلى زعزعة استقراره –  بواسطة العلاقات التى تربطه بحماس في غزة. إن التصعيد في صراع “أنصار بين المقدس” وحربه ضد النظام المصري، الذي سيشمل ضغط آخر على حماس في القطاع، من شأنه أن يسبب انفجار في القطاع، والذي سيصب جم غضبه على إسرائيل. ويشكل وجود قوات “جبهة النصرة” في هضبة الجولان خطراً على مصالح نظام “الأسد” و”حزب الله” في منطقة نفوذهم من جنوب دمشق وبيروت، والتصدي لحزب الله من شأنه أن يؤدي إلى تصادم بينه وبين إسرائيل.

كلا السيناريوهان، التصادم بين إسرائيل وحماس في غزة وبين إسرائيل وحزب الله في جنوب سوريا، محتملان في المستقبل القريب. وهناك تقدير بأن أي تغيير استراتيجي للواقع في غزة وفي جنوب سوريا، سيأتي نتيجة لمبادرة سياسية، وتغيير علاقات القوى الإقليمية أو أي مقابل آخر، من الممكن أن يؤدى إلى إبعاد اللاعبين عن المسار التصادمي.